ماجد توبه
تجد جمهورية مصر العربية نفسها اليوم، في ظل اشتداد العدوان الاسرائيلي المدعوم اميركيا وغربيا على فلسطين وغزة، في وضع لا تحسد عليه، بل ويحمل اخطارا عديدة ومتشابكة على الامن القومي لاكبر الدول العربية واكثرها محورية في الاقليم، خاصة مع ما يتم هندسته والتخطيط له من خارطة جيوسياسية في غزة والشرق الاوسط من قبل اسرائيل وحليفتها الكبرى اميركا.
تتقدم مصر بعد فلسطين وغزة قائمة المتضررين الاستراتيجيين من استمرار العدوان الاسرائيلي على غزة، وهذا ليس غريبا فراس مصر كان دائما مطلوبا والعمل على تحييدها واضعافها واغراقها بالمشاكل وزيادة ارتباطها وحاجتها للولايات المتحدة هو هدف استراتيجي لاميركا واسرائيل رغم كل احاديث واوهام السلام والعلاقة مع مصر بعد كامب ديفيد. ولا شك ان التمكن من تمرير المخططات الاسرائيلية والاميركية للمنطقة وغزة في حال النصر الموهوم على الشعب الفلسطيني وغزة سيضرب ما تبقى من امن قومي وقوة كامنة مصرية، كما حدث مع المحورين العربيين الرئيسيين الاخرين وهما سوريا والعراق، وهي دول المثلث المحوري للامة العربية عبر التاريخ القديم والحديث.
تبدو سياسة الدولة المصرية اليوم موفقة في جانب وقاصرة في جانب اخر عن مواجهة التحديات والاخطار الاستراتيجية التي تهدد امنها القومي، فمن الجهة الايجابية اسندت مصر الشعب الفلسطيني الثابت في غزة في افشال مخطط التهجير والتطهير العرقي كهدف رئيسي معلن للكيان الصهيوني، وتسعى بالدبلوماسية المكثفة الى محاولة وقف العدوان على غزة.
لكن على الجانب الآخر، فإن مصر بوزنها وقوتها الكامنة قصرت ولم تذهب بعيدا في استخدام أدوات قوتها وحضورها في الحد من اثار العدوان على غزة، ليس فقط لعيون غزة بل ايضا للدفاع عن امنها القومي، وهو ما يعيده البعض احيانا الى الصراع المحتدم بين الدولة المصرية وجماعة الاخوان المسلمين واعتبار حماس امتدادا لها، اضافة الى حالة الارباك والنأي بالنفس عن استعداء اميركا التي تمارسها مصر واغلب الدول العربية.
كان وما زال بامكان مصر فتح معبر رفح لدخول المساعدات والاغاثات للشعب الفلسطيني بغزة ووقف حرب التجويع والتركيع، لا يحتاج الامر لاعلان الحرب بل التكشير عن الاسنان المصرية لتحقيق هذا الهدف الحيوي الذي يسند غزة ويخفف من ماساة سكانها ويثبتهم، وهو تكشير لا تجرؤ اسرائيل على تحديه وفتح معركة مع مصر خاصة في ظرفها الحالي.
بامكان مصر، التي يراهن عليها عربيا ودوليا اكثر بكثير من غيرها من دول عربية، اللجوء الى الدبلوماسية الخشنة مع اسرائيل، والرمي بثقلها السياسي والجيوسياسي للحد من استشراس اسرائيل في عدوانها على القطاع، وبامكانها ايضا اللجوء الى تفعيل الضغط الشعبي المصري والتقدم عربيا لاخذ دورها الحقيقي ببناء جبهة سياسية ضاغطة، لا الوقوف موقف المتفرج والمنتظر حتى تبتلع غزة ثم ياتي الدور على مصالح مصر وامنها القومي.
قناة السويس، التي تعد اهم ممر بحري تجاري في العالم ويدر دخلا سنويا مرتفعا للموازنة المصرية، تعرف الدولة المصرية انها مستهدفة بالعديد من المشاريع الاسرائيلية والغربية، واخرها ما اعلن عنه من مشروع “ممر تاريخي” اقتصادي بين الهند والشرق الاوسط واوروبا يربط الدول المشتركة فيه عبر سكك حديدية وموانيء، يخدم اسرائيل اساسا وليست فيه مصر ويضر بقناة السويس. اضافة الى مشروع قناة بين البحرين الاحمر والمتوسط، الذي يرى محللون انه احد الاسباب الرئيسية لاستهداف اسرائيل غزة لتكون مصبه عند المتوسط، ناهيك عن استهداف السيطرة على الغاز الفلسطيني المكتشف في بحر غزة من قبل اسرائيل، والتي وقعت على اتفاقية مع اليونان وقبرص لفتح خط لنقل الغاز تحت البحر الى اوروبا ما يضر ايضا مصر استراتيجيا.
الراهن، ان مصر بوزنها وامنها القومي ونفوذها مستهدفة بصورة واضحة في الحرب على غزة وفلسطين، وان مصر معنية كما الشعب الفلسطيني بافشال ما يخطط انطلاقا من كسر شوكة غزة وسحقها.. لكن وللاسف ان هذا الوعي بهذه الاخطار الاستراتيجية لا تترجم بصورة صحيحة وقوية في السياسة المصرية حاليا.. فهل تفعلها مصر؟!