العطارات إلى التحكيم‏‎

 

غريب ما يحدث على صفحات التواصل الاجتماعيّ من ردود أفعال طاعنة بالموقف الرسميّ حول قضية العطارات، حيث ارتأت شركة الكهرباء الوطنية والحكومة اللجوء إلى التحكيم الدوليّ للبت فيها.
‏‎الغريب في الموضوع، ان الأردنيين من نواب ومسؤولين وإعلام ومراقبين يطالبون على الدوام بإعادة مراجعة اتفاقيات الطاقة المختلفة، نظراً لكلفها العالية التي ستتحملها الخزينة سنويّاً.
‏‎والآن وبعد أن تمت مراجعة اتفاقية مشروع العطارات الذي وجد فيها استنزاف كبير لأموال الخزينة دون ان يكون لها مردود اقتصاديّ على التعرفة او حتى على احتياجات الاستهلاك الوطنيّ، يأتي القرار باللجوء للتحكيم الدوليّ لإنهاء حالة الخلاف بين طرفي المشروع الذي أثار جدلاً كبيراً في العامين الاخيرين، وتأتي ردة فعل بعضهم بين طاعن ورافض لمثل هذا القرار.
‏‎اللجوء للتحكيم في مشروع العطارات هو مسار قانونيّ بحت نصت عليه اتفاقية المشروع ذاتها، و لم يرتكب الجانب الأردني مخالفة في لجوئه للتحكيم، فعدم التوصل إلى اتفاق نهائي حول التعرفة وتخفيضها يسمح قانونيّا لأحد الأطراف باللجوء للتقاضي الدوليّ للبت في النزاع حول الاتفاقية.
‏‎هذه ليست المرّة الأولى التي يتم فيها اللجوء للتحكيم الدوليّ، فعلى مدار السنوات الماضية كان هناك قضايا تحكيم دوليّة بين الحكومة والعديد من الشركات الكبرى بعضها رفعتها الحكومة وبعضها رفعتها شركات استثمارية، ومنها ما هو محليّ ومنها ما هو أجنبي. والمحصلة ان الحكومة كسبت بعضها وخسرت أخرى، وهذا أمر لم ينقص في كلتا الحالتين من مكانة الأردن ونظرة المستثمرين له، لأن ذلك جزء منصوص عليه في الاتفاقيات الاستثماريّة وبالتالي فإن اللجوء للتحكيم أمر لا ينفرد به الأردن و يتم في جميع دول العالم وفق نصوص الاتفاقيات.
‏‎عودة لمشروع العطارات الذي يعد أكبر مشروع في العالم لتوليد الطاقة من الصخر الزيتي بكلفة استثمارية اجمالية قد تصل إلى 2.2 مليار دولار ولتوليد طاقة مقدارها 470 ميجا واط ، كانت هناك ظروف خاصة دفعت الجهات الرسميّة للدخول في هذا المشروع على هذا النحو، ويبدو أنه تكشف للجانب الأردني أن هذه الاتفاقية مجحفة ولا تحقق التوازن بين طرفي العقد.
‏‎للحكومة الحق في إعادة النظر في اتفاقيات الطاقة وفق الإطار القانونيّ المنصوص عليه، والحق في حماية مصالحها وخزينتها من أي قرار أو اتفاقية قد تؤدي إلى الحاق أعباء ماليّة كبيرة على الخزينة، وتحميل المستهلك ذلك العبء، مثلما لها الحق في محاسبة ومراجعة الالية التي تمت بها تلك الاتفاقيات ومحاسبة المقصرين ان ثبت ذلك، فالمصلحة العامة هي أولوية في ذلك، والأهم من ذلك كله انه يتم في إطار القانون، فالجميع تحت مظلته.
‏‎مشروع العطارات مشروع كبير بحجمه، وتداعياته الماليّة على الخزينة من وجهة نظر الجانب الأردني، فالمشروع الذي تم من خلال عرض مباشر كان السعر مبنيا على نموذج ماليّ افضى في النهاية الى هذه التعرفة المرتفعة، ولم يكن اختبار السعر من خلال عطاء تنافسي كما هو حاصل في المشاريع الكبرى المختلفة.
‏‎المعلومات التي تكشفت مؤخراً ان المفاوضات فشلت مع الائتلاف المالك لمشروع العطارات من أجل تخفيض التعرفة التي يرى الجانب الأردني انها غير عادلة وستكبده تكاليف إضافية بما يقارب ال200 مليون دينار سنويّا.
‏‎وعلى الرغم من أننا لا نختلف حول أهمية هذا المشروع من حيث استخدامه لوقود محلي إلا أن الاختلاف هو حول اسعار تعرفته التي تتكبدها شركة الكهرباء الوطنية. ومن باب أولى لماذا توجهنا بإقامة مشروع بهذا الحجم والذي يعد اكبر مشروع في العالم ولم نذهب لمشروع اقل بكثير مما هو عليه الان، كما حصل في بعض دول الجوار التي بدأت بطاقة تتراوح بين 50-70ميغا واط.
‏‎الجانب الأردني أمام تحديات كبيرة في إثبات حالة الغبن الفاحش الذي اظهره المشروع على التعرفة، وهو ما يستدعي ان تكون قد أعدت ملفها القانونيّ بشكل كامل ومتكامل، فهذه محاكم دوليّة لها أسس ووضعيات قانونية خاصة في مثل هذا النوع من القضايا.
‏‎أخيرا، اللجوء لمراجعة اتفاقيات الطاقة، والتوجّه تحديداً للتحكيم الدوليّ في مشروع العطارات سيضع حداً كبيرا لسلوكات المسؤولين في الحكومات المختلفة قبل التوقيع على اتفاقية لها تداعيات ماليّة على الخزينة، حيث سيكون هناك ضبط واتزان اكثر في إعداد تلك الاتفاقيات قبل توقيعها، وفي حال العطارات الأمل يحدو تجاه التحكيم الدوليّ لإنصاف الأردن من حالة الغبن التي يراها الجانب الأردني في المشروع، وغير ذلك ستكون هناك تداعيات وخيمة على الخزينة لا سمح الله.

أخبار أخرى