ماجد توبه
رغم كل العواء والتهديد والنذير الإسرائيلي باستئناف الحرب والعدوان على غزة بعد انتهاء فترة الهدنة، مع صباح غد الثلاثاء، إلا أن كل المؤشرات تشير إلى أن المقاومة الفلسطينية هي من يملك القرار وليس على إسرائيل إلا الاستجابة، وان التمديد للهدنة وتبادل الأسرى لا مفر منه، ليس لمرة واحدة بل لعدة مرات.
لم يتسرب الكثير عما دار في مجلس الحرب الإسرائيلي الذي استمر حتى وقت متأخر من فجر الاثنين لبحث تمديد الهدنة لعدة أيام، لكن صحيفة “معاريف” الإسرائيلية أشارت إلى أن الأجواء العامة داخله تدفع للموافقة على تمديد الهدنة وتبادل المزيد من الأسرى المدنيين.
تعرف إسرائيل ونتنياهو أنهما سيخسران بالهدنة الكثير رغم اضطرارهما لها لاستيعاب ضغوط الرأي العام الإسرائيلي والضغوط الأمريكية باتجاهها. كما أن نتنياهو وعصابته الأمنية والسياسية وصلوا لقناعة تامة بأن إنقاذ الأسرى الإسرائيليين لن يتم إلا بصفقة تبادل مع حماس وبهدنة تفرض شروطها المقاومة، بعد أن جربوا الخيار العسكري للعثور عليهم وإنقاذهم، عبر القصف العنيف والعملية البرية وحرق الأخضر واليابس في غزة.
المقاومة مدت خيط السنارة مبكرا بالموافقة على تمديده الهدنة، ونتنياهو وعصابته تدرجوا في النزول عن الشجرة صاغرين بعد ان حاولوا إقناع الجميع ان مصلحة إسرائيل بمواصلة الحرب والتدمير حتى لو على حساب قتل كل الرهائن المدنيين والعسكريين، لكن حسابات الحقل غير حسابات البيدر.
وكل يوم جديد في الهدنة ووقف إطلاق النار يعد مسمارا جديدا في نعش نتنياهو وعصابته الأمنية والسياسية، التي تقاتل بتخبط وبيأس وهي تعرف ان ساعة الحساب ودفع الضريبة الكبيرة داخليا آتية لا ريب، وهم يعرفون أنهم حتى – ونقول حتى افتراضا – كسبوا الحرب فإنهم جميعا سيخرجون خاسرين وسيدفعون ثمنا سياسيا وربما قانونيا كبيرا، بعد ان حملوا إخفاقات يوم 7 أكتوبر وكسر شوكة إسرائيل على أيدي بضعة مئات من المقاومة بأسلحة خفيفة وربما بدائية مقارنة بما يملكه “الجيش الذي لا يقهر”!
إستراتيجية المقاومة باتت واضحة على هذا الصعيد، فهي تمسك إسرائيل من “اليد التي توجعها”، وهو أكثر من 200 رهينة منهم نحو 50 من العسكريين بينهم ضباط كبار، والمقاومة باتت تستهدف، وهي قادرة كما ستظهر الأيام القليلة المقبلة، على تمديد الهدنة والمماطلة فيها وعدم تقديم صفقة تبادل كاملة مرة واحدة، وهي بذلك تحقق أهدافا عديدة تصب في صالح مراكمة انتصاراتها على هذه العدو المتغطرس والمنفلت من كل عقال.
فهي، اي المقاومة، تتمكن عبر الهدن وامتدادها من تعطيل آلة الحرب الإسرائيلية عن العمل والقتل والدمار وإراحة الحاضنة الشعبية للمقاومة، إضافة إلى مد القطاع بالمواد الاغاثية والأدوية والطعام والوقود لمساعدته على الصمود، فضلا عن استغلال الهدن لتوثيق مجازر الإبادة وتمكين الصحفيين الأجانب من نقل الصورة.
الأهم في هذه الإستراتيجية هو كسر شوكة جيش الاحتلال وصقور الحرب بالكيان، ممن يعرفون أنهم كلما طال أمد توقف القتال كلما خفتت عزيمة الجيش وفقد التحكم المتراكم بسير المعارك وأعاد خلط خططه المرسومة، ناهيك عن أثار الحرب النفسية المدمرة على جيش الاحتلال والمجتمع الإسرائيلي عندما يرون أن المقاومة ما تزال ثابتة وصامدة بل ومبادرة لتوجيه دفة سير الحرب بما يصب بصالحها، كما أنها فرصة ذهبية للمقاومة لإعادة حشد قواتها وخططها وتقييم الثغرات التي واكبت الموجة الأولى من القتال.
الراهن؛ أن إسرائيل ستكون مضطرة لتمديد الهدنة، ليس لمرة بل لأكثر من مرة، وستكون الفترة الأكثر دراماتيكية ومحورية عندما يأتي الدور على الأسرى العسكريين الإسرائيليين، والتي لن تتنازل المقاومة عن تبييض كل المعتقلات والسجون الإسرائيلية من أسرانا مقابل هؤلاء العسكريين