صدى الشعب – كتب د.عايش النوايسة خبير ومستشار تربوي
تغيّرت ملامح عصرنا بشكل جذري؛ إذ أصبح العلم والمعرفة في متناول الجميع، ولم تعد مقصورة على المدارس والجامعات. وبالمثل، لم يعد المعلّم المصدر الوحيد للمعلومات، ولا الكتاب المدرسي الوعاء الحصري للمعرفة. هذا التحوّل يفرض علينا إعادة النظر في استراتيجيات التدريس، مع التركيز على البحث العلمي كمنهجية أساسية للتعليم.
في خضم هذا التطور المتسارع، يتعيّن على المعلّم أن يتبنّى دور الباحث النشط، وأن يحرص على تحديث معارفه باستمرار في مجال تخصصه وطرائق تدريسه، وأن يكون مطّلعًا على المستجدات المحلية والإقليمية والعالمية. إن هذه العقلية البحثية تمكّنه من تلبية احتياجات طلابه المتنوعة، والإجابة عن استفساراتهم، وتوجيههم نحو مصادر المعرفة الموثوقة، ليغدو قدوةً في سعة علمه وعمق فهمه.
ولتحقيق ذلك، لا بدّ للمعلّم أن يمارس التعلّم الذاتي المستمر؛ فقبل أن يطلب من طلابه تبنّي هذه المنهجية، عليه أن يطبقها على نفسه أولًا، ويطوّر مهاراته البحثية والمعرفية على الدوام. وعندما يعتمد المعلّم البحث العلمي كاستراتيجية تعليمية، فإنه لا يزوّد طلابه بالمعلومات فحسب، بل يمنحهم أدوات التفكير النقدي، والتحليل، وحل المشكلات، مما يؤهلهم لمواجهة تحديات المستقبل بفاعلية.
وعليه، فإن التعليم القائم على البحث يُعدّ من الاستراتيجيات الحديثة والفعّالة، إذ يسهم في تحسين جودة التعليم من جوانب متعددة، منها:
• تعزيز التفكير النقدي وحل المشكلات: حيث يُنمّي لدى الطلبة القدرة على تحليل المعلومات، وتقييم المصادر، والتحقق من موثوقيتها، بما يساعدهم على اتخاذ قرارات مدروسة. كما يطوّر قدرتهم على حل المشكلات عبر إشراكهم في مواقف واقعية تتطلب البحث والاستقصاء، فيتعلمون التعامل مع التحديات بأسلوب علمي ومنهجي.
• تشجيع التساؤل والاستقصاء: يدفع التعليم القائم على البحث الطلبة إلى طرح الأسئلة، وإشباع فضولهم حول ما يحيط بهم، والبحث عن إجابات منطقية، مما يعزز شغفهم بالاكتشاف.
• ترسيخ التعلّم النشط والعميق: حيث ينخرط الطلبة في عملية تعلم تفاعلية، يبحثون عن المعلومات ويحللونها ويستنتجون بأنفسهم، فيستوعبون المحتوى بعمق أكبر ويثبت لديهم على المدى الطويل.
• ربط التعلم بالحياة العملية: يجعل التعليم القائم على البحث المعرفة أكثر فائدة وواقعية، إذ يدرك الطلبة كيف يمكن توظيفها في حياتهم اليومية، مما يزيد من دافعيتهم للتعلم.
واليوم، يُعدّ هذا النوع من التعليم مطلبًا أساسيًا لتنمية مهارات القرن الحادي والعشرين، وهي مجموعة من المعارف والمهارات والقيم والخبرات التي يحتاجها الأفراد للنجاح في العمل والحياة. وتمثل مزيجًا من المعرفة بالمحتوى، والمهارات المتخصصة، والخبرة العملية، والقيم الإنسانية. إن تلبية متطلبات هذا القرن تقتضي تربية جيل من المفكرين والمتعلمين المبدعين، الباحثين الذين يفكرون على نحو نقدي وتأملي وإبداعي لحل المشكلات، ويتشاركون بفعالية مع الآخرين في مختلف مجالات الحياة.
