صدى الشعب – كتب المحامي محمد عيد الزعبي
الأردن ليس دولة طارئة على الجغرافيا، ولا مستأجرة في التاريخ. هذا البلد الصغير بمساحته، الكبير بأعبائه، تحمّل ما لم تتحمله دول بعشرات أضعاف إمكانياته. فتح ذراعيه حين أوصدت الأبواب، وشارك خبزه ودواءه ومدرسته مع من لفظتهم الحروب وخذلتهم الجغرافيا.
استقبل الفلسطيني يوم طُرد، والعراقي يوم احترق، والسوري يوم انكسر، والليبي يوم انهار، واليمني يوم تشرّد. لم يسألهم عن مذهب، ولا عن حسابات السياسة. سكنوا بيننا، عملوا بيننا، أنجبوا في أرضنا، واندمجوا في نسيجنا، لا في خيام مؤقتة، بل في حياة دائمة.
ومع ذلك… يُذم.
يُطلب منه أن يصمت في وجه الظلم، فإذا تكلم اتُّهِم بالتحريض.
يُطلب منه أن يتبع، فإذا اختار استقلال القرار، اتُّهِم بالخيانة.
يُقال له كن في صفّ القطيع، فإذا غرد خارج السرب ورفع رأسه، شُوّه تاريخه واتُّهِمت نواياه.
لأن الحقيقة ببساطة أن بعضهم لا يعجبه موقف الأردن… لأنه يُعريه.
لأنه يكشف خواءهم، ويضعهم أمام مرآة أخلاقية لا يحبون أن ينظروا إليها.
وفي الخلفية، تعمل قنوات ومواقع مأجورة، تتلقى تعليمات من غرف مظلمة ومبالغ ضخمة من حسابات مشبوهة، هدفها واضح:
تشويه صورة الأردن، تفريغ دوره، وزرع الشكّ بينه وبين أهله.
يقصّون الخبر ليخدم غايتهم، ويصنعون الزيف ليبثوه كحقائق. يختارون توقيت النشر بعناية، لا خدمة للحقيقة، بل خدمة لأجندات تسعى لضرب الأردن في سمعته، وتمزيقه من الداخل.
وفي الداخل، ورغم ما يعانيه من فساد إداري وبيروقراطي وتراجع اقتصادي، بقي الأردن صامدًا. لا يتسوّل دورًا، ولا يبدّل موقفًا بمكسب.
ومع كل الجحود، يعودون إليه في النهاية. من سبّه في الميديا، يأتي ليتطبب في مستشفياته. ومن أنكره في المؤتمرات، يرسل أبناءه للتعليم في جامعاته. ومن خانه في السياسة، يطلب لجوءه في الأزمة.
وكأنما كُتب على لسان هذا الوطن قول موجع:
“لما تموت… بتجي تندفن عنا”.
الأردن لا يُحب إلا بعد فوات الأوان، ولا يُنصف إلا حين يُفتقد.
لكنه لا ينتظر شكرًا، ولا يحتاج مديحًا. يكفيه شرف أنه وقف حين سقط الآخرون، وكان وفيًّا حين خان الحلفاء.
يكفيه أنه لم يبع ولم يشترِ، بل تمسّك بالأرض، والموقف، والكرامة.
وسيبقى الأردن شوكة في حلق من أراد له الانحناء أو الارتهان،
وسيظل وطنًا لا يُشترى… ولا يُباع.






