صدى الشعب – كتب فيصل القاسم
لو استمعت، مثلاً، لبعض الدبلوماسيين الإيرانيين على انفراد بعيداً عن الإعلام، لما سمعت منهم سوى الشكوى من المضايقات التي يتعرض لها الإيرانيون في سوريا منذ سنوات، فقد اشتكى أحد الدبلوماسيين ذات مرة بعيداً عن الأضواء أن إيران لم تستطع أن تفتح مجرد سوبرماركت في منطقة (الست زينب) التي تحتضن قبر السيدة زينب، وهو مكان مقدس يزوره آلاف السياح الشيعة سنوياً.
والسبب أن المخابرات السورية تحاصر أية نشاطات تجارية أو اقتصادية إيرانية في سوريا رغم العلاقات الوطيدة بين النظام والملالي.
ويشتكي الدبلوماسي نفسه من أن إيران تحاول منذ سنوات افتتاح قنصلية في مدينة طرطوس، لكن السلطات السورية ترفض تلك الفكرة، مع انحسار وانكفاء وتوقف واضح في عملية المد والتشيع بين أوساط العلويين.
ومن جانبها تشيع بعض الأصوات القريبة من المخابرات السورية بأن أجهزة الأمن السورية تراقب كل التحركات الإيرانية داخل البلاد عن كثب، وهي تعرف كل شاردة وواردة في هذا الصدد، وتعاقب أية شخصية سورية تتمادى في علاقاتها مع الإيرانيين.
وكلنا شاهد قبل فترة الفيديوهات التي بثها السيد بشار برهوم الذي كان يعمل بوظيفة متحدث غير رسمي باسم المخابرات السورية، فقد أطل علينا السيد برهوم بتصريحات صادمة اعتبر فيها أن إيران قوة احتلال في سوريا وهي المسؤولة عن الخراب والدمار اللذين حلّا بالبلاد، كما دعاها لأن تخرج من سوريا لأنها غير مرغوب بها، لا بل وصل الحد به إلى اعتبار إسرائيل أقل خطراً على سوريا من إيران.
ومن الطبيعي أن برهوم لم يكن يتحدث باسمه بل باسم ملقنيه في المخابرات وحتى القصر الجمهوري الذين يدفعون أجوره ويؤمنون له سيارة البيجو 204 حمراء اللون، وإيرانية الصنع، ويا لغرائب الصدف.
وهذا إن دلّ على شيء فإنه يدل على وجود تململ كبير داخل سوريا ضد النفوذ الإيراني، وأن الإيرانيين أنفسهم باتوا يشعرون بالقلق، وبأنهم مستهدفون، خاصة بعد تعرض العديد من ضباطهم ومسؤوليهم الكبار للاغتيال داخل دمشق على أيدي الإسرائيليين بوشاية مخابراتية أو رسمية من الجهات العليا في النظام.
وقد سمعنا اتهامات مباشرة من جهات إيرانية للنظام السوري بالتواطؤ مع إسرائيل لاصطياد المسؤولين الإيرانيين داخل سوريا. وسمعنا أيضاً عن عزل العديد من أئمة المساجد المتشيعين في الساحل من المحسوبين على إيران، ووقفهم، ومنعهم من الخطابة وإمامة الصلوات وتقييد زيارة الإيرانيين لبعض الأماكن المقدسة بسوريا.
أكبر دليل عن تغلغل النفوذ الإيراني داخل كل المؤسسات السورية أن السيدة الأولى أسماء الأسد التي كانت تصول وتجول داخل أروقة النظام، وكانت الحاكمة بأمرها في قضايا داخلية كثيرة ومالئة الدنيا وشاغلة الشام والشاشات قد «حُيـّدت» تماماً
تلكم كانت وجهة النظر الأولى في مسألة النفوذ الإيراني داخل سوريا، لكن هناك وجهة نظر مغايرة تشي بالعكس تماماً، وتفيد بأن الإيرانيين هم الحاكمون بأمرهم في سوريا داخل الجيش والأمن والقصر الجمهوري، وهم يديرون كل العمليات العسكرية والسياسية والأمنية والتجارية كما يسيطرون على المطارات، لا بل إن القادة الإيرانيين وضعوا اتفاق التعاون الاقتصادي اليوم موضع التنفيذ في البرلمان الإيراني ما يعني عملياً إدارة سوريا اقتصادياً من طهران بعدما سلم بشار كل ثروات البلاد وهي كلفة بقائه على عرشه في قصر قاسيون، بينما بات النظام بفروعه العسكرية والأمنية والسياسية يعمل بوظيفة أجير لدى الإيرانيين. .
وقد سمعنا بعد اغتيال الضابط الإيراني الكبير زاهدي في القصف الإسرائيلي للقنصلية الإيرانية بدمشق بأنه كان بمثابة الرئيس الحقيقي لسوريا، وأن كل المسؤولين السوريين بمن فيهم الرئيس يأخذون أوامرهم منه مباشرة باعتباره الممثل الأعلى أو المندوب و»المفوض» السامي للمرشد الإيراني في دمشق. ويدلل أصحاب هذا الرأي على وجهة نظرهم بأن السيد برهوم الذي كان يشتم الإيرانيين في سوريا نيابة عن المخابرات، قد اختفى تماماً، عن الظهور، مؤخراً، ولم يعد يطلّ مطلقاً على صفحاته في وسائل التواصل الاجتماعي بعد أن كان يخرج علينا بفيديوهاته المثيرة سبعة أيام بالأسبوع.
والسبب طبعاً أن الإيرانيين أمروا بإخراسه وإخراس مموليه وملقنيه داخل الأجهزة الأمنية السورية والقصر الجمهوري، ونزيدكم من الشعر بيتاً، بأنه، ووفقاً لبعض المصادر، فقد كان برهوم أيضاً يتعاون مع السيدة الثانية (لونا الشبل) التي قضت في حادث غامض كما يشاع، واختفت، هي الأخرى، من الوجود، وأن تصفيتها، كما أشارت بعض المواقع، كانت، بوحي وتنفيذ من إيران، وأن المسكين برهوم، المحسوب عليها، قد ذهب بجريرتها، وأن إيران نفسها، بدورية تابعة لحرسها الثوري قد «شحطته»، في ليلة ليلاء، من فراشه في قرية «عين شقاق» بالساحل السوري، بعد تتبع ومراقبة لمكالماته واتصالاته.
ولعل أكبر دليل يستخدمه أصحاب الرأي الآخر في حديثهم عن تغلغل النفوذ الإيراني داخل كل المؤسسات السورية أن السيدة الأولى أسماء الأسد التي كانت تصول وتجول داخل أروقة النظام السياسية والعسكرية والأمنية والتجارية والاقتصادية، وكانت الحاكمة بأمرها في قضايا داخلية كثيرة ومالئة الدنيا وشاغلة الشام والشاشات قد «حُيـّدت» تماماً، وأُخرجت من الأضواء بين طرفة عين وانتباهتها بحجة أنها تعاني مجدداً من المرض اضطرها للتوقف عن العمل في الشأن العام لمتابعة العلاج لكن، ويا سبحان الله، أيام مرضها الأول، أو زمن العسل مع إيران، كانت أسماء تصول وتجول وترمح كالخيول الأصيلة في البيداء ولا تغيب لحيظة عن وسائل إعلام النظام الممانع.
لهذا لا يعتقد أصحاب نظرية أن إيران باتت تحتل سوريا من بابها لمحرابها لا يعتقدون مطلقاً أن أسماء الأسد تنحت جانباً لأنها مريضة، بل لأن أوامر إيرانية صارمة جاءت لزوجها بتنحيتها وإخراجها من المشهد السوري لأن الإيرانيين يعتقدون حسب مصادر معارضة أن لها علاقة من نوع ما بعمليات الاغتيال التي تعرض لها مسؤولون إيرانيون كبار داخل سوريا، وبعدما أطلعوا زوجها على الكثير من الملفات الحساسة والخطيرة التي تؤكد ضلوعها وصلتها المباشرة بالاغتيالات التي طالت رؤوساً إيرانية كبيرة وحامية من أيام «سليماني» و«المهندس» وأنتم نازلون، وأنها على تواصل مع جهات خارجية يعتبرها الإيرانيون معادية للنفوذ الإيراني في المنطقة.
ومن الملفت أن المستشارة الخاصة في القصر الجمهوري التي كانت قريبة جداً من السيدة الأولى في سوريا قد توفيت فجأة في حادث سير غامض بدمشق، بينما تعرض أحد مساعدي أسماء الأسد الكبار المدعو «يسار إبراهيم» لعملية تسمم وهو يخضع للعلاج منذ زمن.
ومما يعزز فرضية اختفاء أسماء الأسد قد جاء بناء على أوامر إيرانية هو أن عم أسماء المدعو طريف الأخرس «ملك» السكر والأرز والزيوت المتوج رسمياً بسوريا، يخضع اليوم للتحقيق بتهمة التهرب الضريبي.
من كان ليجرؤ على التحقيق مع عم السيدة الأولى لو مازالت فعلاً بوهجها وقوتها القديمة؟ وهذا بالنسبة لأصحاب نظرية أن إيران باتت الآمر الناهي في سوريا مؤشر دامغ على أن القيادة السورية ورئيسها لم يعد يملك من أمره شيئاً وصار مجرد واجهة (لا يهش ولا ينش) وصفراً على الشمال.
ويذهب هؤلاء أبعد من ذلك ليؤكدوا أن النفوذ الإيراني في سوريا يترسخ منذ وصول بشار إلى السلطة، بدليل أن أحد المسؤولين السوريين الكبار اشتكى في جلسة خاصة في عام ألفين وستة من أنه لم يستطع الحصول على ما يكفي من الإسمنت لبناء بيته، لأن كل مصانع الإسمنت السورية وقتها كانت تخصص معظم إنتاجها لتزويد الإيرانيين بمواد البناء لتشييد الحسينيات والمراكز الثقافية الإيرانية داخل البلاد. فإذا كان التغلغل الإيراني داخل سوريا بتلك القوة قبل الثورة، فما بالك بعدها حيث تتفاخر إيران وميليشياتها منذ سنوات بأنها أنقذت النظام من السقوط ولولاها لكان الآن في خبر كان، وبالتالي فهي تريد ثمناً كبيراً لحماية النظام.
أخيراً أترك لكم تشخيص الحالة الإيرانية داخل سوريا بأنفسكم بعد أن قدمنا لكم الاحتمالين.