الاصلاح”، الكلمة الأكثر تكراراً على صعيد النخب السياسية، والجهات الرسمية، وتُرجمت كبرامج عمل من خلال اللجان الملكيّة لتحديث المنظومة السياسية، والاقتصادية، والادارية.
لكن عندما وصلنا إلى إختبار الخطط التنفيذية، وقفنا وصمتنا قليلاً، لا بل اشتبكنا مع أنفسنا، وانشغلنا بتراشق الاتهامات، بدلاً من الانشغال بالعمل لإنفاذ هذه الرؤى، التي تميزت بإجماع وطني، ودعمٍ ملكي.
لم يمض كثيراً على احتفالاتنا بمئوية الدولة الأردنية، والتي شهدت مراحل شدٍّ وجذب، تقدّمٍ وتراجع، تبعاً للمناخ السياسي، والظرف الاقتصادي، والحالة الأمنية، محليّاً وإقليميّاً.
أنجزنا خلالها العديد من الخطط والبرامج الإصلاحية، لم يكن أولها “الميثاق الوطني” و “الأجندة الوطنية” و “الأوراق النقاشيّة”، وغيرها مما سبقها أو تبعها من محاولات إحداث نهضة وانفتاحٍ سياسي واقتصادي.
لكننا في كلِّ مرّة كنّا نُحسن البدء ولا نحسن الانتهاء، فلم يكن هناك استدامة للبرامج، ولا ديمومة في خطوات التنفيذ.
فما الذي يحصل؟، وما هي الأسباب؟، وهل يتعلق الأمر بالنوايا والإرادة؟، أم يتعلق بالإدارة والمتابعة؟.
تنوّعت الأطروحات ولازالت تتنوع، وفي كلّ مرة يظهر علينا أبطال وهميين يزعمون أنهم لو أداروا المرحلة تنفيذيّا لخرجنا من عنق الزجاجة، ولشبعت الأجيال من بعدهم من خيرات السمن والعسل.
لكن في الحقيقة نجد أن التخطيط والبرامج من جانبها النظري، لا عيب فيها.
أما من حيث التنفيذ، فتمتلئ خطانا بالحسابات الخاطئة والمزاجيّة والشخصنة.
ربما السبب الأكثر وجعاً فيما نحن فيه:
الاختفاء التدريجي المتزايد مع تقادم الزمن للنخب الحقيقيّة، والشخصيات الوطنية الوازنة، وتفريغ الميدان من الخبرات والكفاءات الميدانية، وما يوازيه من أداء ضعيف للحكومات المتعاقبة، وتصدّر من ضرره أكثر من نفعه، لنخب مصطنعة انتهازية تستبيح الوطن وتستقوي على المواطن، لتحقيق منافع خاصة.
ومن الطبيعي أن يتمخّض عن حالة الهيمنة والإقصاء الحاصل، مناخ احباط، وبيئة خصبة للفساد، وتراجع في مستويات الأداء على جميع الصُّعُد.
فما الحل؟، وما المخرج مما نحن فيه؟
وهل ينفع أن تُدار الأزمات بالفزعات، والترقيع والمسكنّات؟!
حتى نتلمس طريقنا باتجاه بصيص الضوء في آخر النفق، يجب علينا أن نمارس تقويم الأداء بموضوعية، لكافة القطاعات، وربطها بأنظمة رقابة ومحاسبة، وفق آليّات للتحقق والتوثق، والابتعاد عن سياسة التجريب، والارتجال.
ويجب أن تنسجم جميع الدوائر الحكومية ، والمؤسسات الرسمية، مع الرؤى الاصلاحية، لأنها الذراع التنفيذي، للبرامج والخطط الاصلاحية.
ولا يقل أهمية عما سبق ذكره، من أهمية رفع سقف الحريات الإعلامية، فالإعلام هو الناقل المؤتمن لرؤى الإصلاح، والموجه المحترف للرأي العام.
فإذا لم يقتنع الجهاز التنفيذي بجدوى الاصلاح، ولم يمنح الجهاز الإعلامي الصلاحية والمساحة المناسبة من الحرية، فلن يتحقق الإصلاح مهما كانت جودة الخطط، وشمول وتكامل البرامج.
وأيضا نحن بحاجة إلى أن يقتنع المواطن بجدية الحكومة بتنفيذ رؤى الاصلاح، حتى يتوجه للاشتراك في الأحزاب، وينخرط في الحياة السياسية، ويتوحد مع الموقف الرسمي، في إنجاح مسيرة الاصلاح.
ولا ينفع أن تكون المعارضة عدميّة، بدون رؤية برامجية وطنية شاملة.
لا شك أن الإصلاح سيضر بمصالح الفئة المتكسبة والانتهازية في البلد، ولذلك ستكون هناك قوى شد عكسي قوية، ابتداءًا من بعض الموظفين في الدوائر الحكومية ومروراً بالمتنفذين والرأسماليين الذن يستعملون نفوذهم للاستقواء على المواطن، والإثراء على حساب الوطن، وانتهاءًا بشبكات الفساد الإداري والمالي والسياسي من النفعيين والمتكسبين.
وهذا يقودنا الى حقيقة واحدة وهي :
أن الإصلاح ليس مجرد أمنيات، ولا حبر على ورق مهما كان الخط جميلاً والألوان مبهجة، وإنما قناعات، وسلوك، والتزام، وشمول، وتكامل، يتحمل مسؤوليته الجميع، أفراد وجماعات، حكومة ومعارضة.
إن الإصلاح لا يأتي على عجل، وإنما بتأني ووعي، وبتخطيط استراتيجي ذو أهداف واضحة بعيدة المدى.
وما سبق ذكره لا يعني بحال من الأحوال أننا لم نتقدم خطوة في مشروع الإصلاح في الأردن، وإنما ثمة هناك إنجازات، وبقع ضوء نقية، من تشريعات وحياة حزبية بدأت بالانتعاش، لكننا بحاجة إلى ضبط الايقاع، وزيادة الانسجام، ومؤسسة الإصلاح، واستدامته.
خلاصة القول أن النهضة لا تتحقق بدون إصلاح، ولا إصلاح يدون حريات، والحرية إن لم تكن مسؤولة فلا جدوى من ممارستها، بل سيكون انعكاسها سلبيّاً على الوطن والمواطن