صدر عن دار عن دار الشروق بعمّان، وبدعم من وزارة الثقافة كتاب بعنوان “القدس قبل الإسلام بين النصوص التوراتية والمصادر التاريخية والآثار” إلى أستاذ الاثار والانثروبولوجيا الأستاذ د. زيدان عبدالكافي كفافي، يتكون الكتاب من 298 صفحة تضم مقدمة و14 فصلاً وخاتمة وقائمة مراجع و55 لوحة توضيحية ملونة. يتحدث الفصل الأول عن جغرافية القدس، والثاني الدراسات الأثرية الميدانية التي جرت في القدس ابتداء من النصف الثاني للقرن التاسع عشر وحتى الوقت الحاضر.
ويذكر المؤلف على الصفحة 34 من الكتاب “يظهر أنه وبعد ظهور نتائج حفريات الأنفاق التي لم تخدم وجهة النظر الاسرائيلية بشكل خاص، وعلماء اللاهوت بشكل عام، أن بعضاً من الآثاريين الاسرائيليين قد اقتنعوا الآن بعدم وجود لبقايا مدينة من القرن العاشرقبل الميلاد في منطقة الحرم الشريف فانتقلوا باحثين عنها في منطقة “الظهورة”. ومن المعلوم أن السلطات الاسرائيلية بقيادة الباحثة الإسرائيلية “إيلات مازار” وابتاء من عام 2005 بالتنقيب في هذه المنطقة.
ويتحدث الفصل الثالث حول الخطوات الأولى للإنسان على تراب القدس وتعود لحوالي 250 ألف سنة من الحاضر، إذ عثر على أدوات صوانية في منطقة الشيخ جراح بالقدس تعود للإنسان المتنقل والجامع للقوت. وتشير المخلفات الأثرية إلى أن بداية الاستقرار في المنطقة كانت بالقرب من عين سلوان/ستنا مريم وتؤرخ للألف الرابع قبل الميلاد. وتثبت نتائج الحفريات الأثرية في القدس أن الناس لم ينقطعوا عن السكنى في القدس والمناطق المحيطة بها منذ عصورما قبل التاريخ وحتى الوقت الحاضر.
أما الفصل الرابع فيتحدث حول القدس في المصادر التاريخية المكتوبة والتي عثر عليها في مصر وبلاد الرافدين. وأشارت المصادر الفرعونية المكتوبة بالخط الهيروغليفي بأن أقدم ذكر لإسم المكان “أورشليمم” قد كتب في نصوص تسمى “نصوص اللعن”، وتؤرخ لحوالي 1900 قبل الميلاد. وبقي الاسم متداولاً في الكتابات التاريخية اللاحقة. يتعرض الفصل الخامس للنصوص التوراتية والتي بنصوص من سفر التكوين وتتحدث حول ارتحال “أبرام” من جنوبي العراق الحالي وانتهاءه في بلاد كنعان، ومن ثم مناقشة آراء بعض العلماء لهذا النص التوراتي.
وتشتمل القصة التوراتية أيضاً على قصة يوسف ورحلته وإقامته في مصر. وتكتمل القصة التوراتية بخروج اليهود من مصر متوجهين لأرض كنعان، ودخولهم لأرض فلسطين وتوزيع الأرض على القبائل الأثنتي عشر، ومن ثم تأسيس الدولة الموحدة خلال القرن العاشر قبل الميلاد، وانتهائها قبل أن تتم القرن من عمرها. ويناقش الكاتب في هذا الفصل كل هذه الأحداث معززاً رأيه بالكتابات التاريخية والآثار المكتشفة في القدس.
كما يضيف المؤلف معلومات حل سكان القدس “اليبوسيون”، وأنهم لم يخرجوا من القدس على الرغم من زعم التوراة من أن داود قد احتلها. وحيث أن الصهاينة يبحثون في الوقت الحاضرعن بقايا أثرية لم يعثروا عليها في منطقة الحرم الشريف، لإغنهم تحولوا بالبحث في المناطق المجاورة له، ومنها بلدة سلوان. ومن هنا فإن هذا الفصل يقدم معلومات وافية حول آثار هذه البلدة. يقول الصهاينة واعتماداً على النص التوراتي أن إلههم وعدهم بالأرض المقدسة، لذا يناقش الفصل السادس من الكتاب وتحت عنوان “التوراة والأرض الموعودة” هذه المقولة.
ويذكر المؤلف أن بني اسرائيل تقلبوا في العقيدة، فمن هو الإله الذي وهبهم هذه الأرض، هل هو “يهوه”؟ كذلك تمت مناقشة حدود الأرض التي وعدها الرب للإسرائيليين. وذكر الكاتب أن القصص التوراتية تركز على المكان وتتحاهل الزمان. ومن هنا يتسائل المؤلف هل فلسطين الجغرافية هي بلاد كنعان التوراتية؟ ويخلص المؤلف إلى أن النصوص التوراتية لا تقطع بحدود الأرض الموعودة جغرافياً، ولا حتى الأرض المقدسة محددة بشكل دقيق.
حاول الباحثون الغربيون أن ينسجوا من المرويات التوراتية حقائق تاريخية ودينية أي محاولة تحويل روايات التوراة إلى تاريخ. ولتحقيق هذا الغرض اتبعوا عدة مناهج وطرق بحثية، ناقشها المؤلف في الفصل السابع. حيث جاب البلاد العربية عدد من المستكشفين والرحالة ومن ثم حفريات أثرية إن لم تكن جميعها، بل معظمها، في مواقع ذكرتها النصوص التوراتية.
ومن هنا حاول التورتيون أن يثبتوا صحة النصوص التوراتية من خلال الآثار المكتشفة.
لم يعجب هذا المنهج عدد من الباحثين التوراتيون الذين طالبوا بعدم الاعتماد الكلي على النصوص التوراتية في اثبات الحق التاريخي لليهود في البلاد المقدسة، وسمي هؤلاء بسم “المقلّون”. تشكل فلسطين الجزء الجنوب الغربي من بلاد الشام، ويعدّ تاريخها جزءاً لا يتجزء من تاريخ هذه المنطقة. وسكنها الناس منذ عصور ما قبل التاريخ وحتى الحاضر دون انقطاع، وهذا ما ناقشه مؤلف الكتاب في الفصل الثامن. تأسست في فلسطين أقدم القرى والمدن، وكانت أورشاليمم من أقدم المدن الكنعانية الذي تأسست في حوالي 1900 قبل الميلاد، كما أن أميرها والذي حكمها في حوالي 1400 قبل الميلاد أرسل رسالة – من ضمن رسائل تل العمارنة- للفرعون المصري.
كما ويناقش هذا الفصل النظريات التي تحدثت حول دخول الإسرائليين إلى فلسطين. يتناول الفصل التاسع من الكتاب لما جرى لمدينة “أورشليم” خلال الفترة بين حوالي 1200 و 923 قبل الميلاد. ويقدم هذا الفصل دراسة لما ورد في كتاب العهد القديم، خاصة في سفري التكوين والخروج، وكيفية احتلال داود لأورشليم من اليبوسيين.
كما يدور الحديث حول من هو الملك داود؟ ومحاولة الصهاينة ربط نسبه وسلالته بيعقوب إبن اسحق إبن إبراهيم. ويضم الفصل التاسع أيضاً دراسة ومناقشة للمصادر التي يعتمدها الإسرائيليين في نسبة الاسرائيليين إلى بيت داود، وأورشليم مدينة الملك سليمان، وكيف أصبحت عاصمة دولة يهوذا، ونهايتها في عام 586 قبل الميلاد على يد الملك الكلدي نبوخذنصر. يقدم الفصل العاشر دراسة حول أورشليم بعد السبي البابلي ووقوعها تحت السيطرة البابلية. وأفادت هذه الدراسة أن الكلديين/البابليين لم يسبوا جميع اليهود من يهوذا، وأن المسبيين كانوا الأسرة الملكة والكهنة والصنّاع، وأبقوا فيها أصحاب الكروم والفلاحين والمساكين. فهل يعني هذا أن سكان الأرياف لم يكونوا على الديانة اليهودية، وربما من أجناس وأعراق أخرى.
كما يبين هذا الفصل العلاقة الوطيدة بين الفرس واليهود منذ القدم. يتحدث الفصل الحادي عشر حول أورشليم بعد دخول اليونان إليها بعد انتصار الاسكندر المكدوني على الملك الفارسي داريوس/دارا في معركة إبسوس التي جرت في عام 333 قبل الميلاد. كما ويبين هذا الفصل تاثير الحضارة والثقافة اليونانية وإحلالها محا الشرقية من حيث العمارة وتخطيط المدن واستخدام اللغة اليونانية كلغة رسمية. ومن الملاحظ أن اليونانيين قد أعطوا المكابيين حكماً ذاتياً خلال فترة سيطرتهم بشهادة ما ورد في سفلر المكابيين الأول.
وبعد هزيمة البطالمة غلى يد الملك السلوقي أنتيوخس الثالث بعد عدد من المعارك الطاحنة في الفترة بين 201-198 قبل الميلاد، وسيطرة السلوقيين على فلسطيين بدأت المدينة بالانتعاش. وتم في عام 175 قبل الميلاد تحويل أورشليم إلى مدينة يونانية (Polis) وحول اليونان اسمها إلى انطاكية (Antochia)، ولم تعارض الطبقة اليهودية الاستقراطية في المدينة تسميتهم ب”أنطاكيين”. وسبب هذا الأمر انقساماً كبيراً في المجتمع المحلي مما أدى إلى ثورات محلية نتج عنها تأسيس دولة الحسمونيين/الحشمونيين (141-63 قبل الميلاد). أعاد الملك الرومي “بومبي” بعد احتلاله لسوريا الطبيعية تشكيلها إدارياً، فأبقى على بعض الممالك فيها، مثل مملكة الأنباط، وأنشأ حلف المدن اليونانية العشر “الديكابوليس”.
ويقدم الفصل الثاني عشر دراسة حول دور الروم في إعادة بناء أورشليم ، خاصة في زمن الملك هيرود حيث بلغت المدينة قمة ازدهارها. لكن هذا الأمر لم يرضي سكانهان خاصة المتعصبين دينياً من اليهود، فقامت ثورات محلية ضد الحكم الرومي مما أدى إلى قيام الروم بحملة عسكرية بقيادة تيطس في عام 70 ميلادية دخلت المدينة ودمرتها بالكامل، وتحولت أورشليم إلى ثكنة عسكرية رومية. وحدث أن ثار سكان أورشليم على الروم في عهد الملك تراجان (106-114 ميلادي) نتيجة لتراخي قبضة الروم العسكرية ، وكان أهمها ثورة شخص وأتباعه يسمى “بار-كوخبا” في عام 131/132 ميلادي مما أدى تجريد حملة عسكرية بقيادة هدريان الذي أصدر أمراً في عام 139 ميلادي بردم جميع بقايا اليهود في المدينة وبناء مدينة جديدة فوقها تسمى “إيليا كابيتولينا”.
يعالج الفصل الثالث عشر تاريخ وآثار “إيليا كابيتولينا” في الفترة بين 135- 324 ميلادي التي بنيت حسب مخططات المدن اليونانية-الرومية. وكما نعلم فإن جميع اليهود قد طردوا من إيليا-كابيتولينا بعد إخماد ثورة بار-كوخبا. شهدت إيليا المسيحية (324 – 638 ميلادي)توسعاً لا سابق له، إذ أعاد الامبراطور قسطنطين للمدينة أهميتها بعد أن تحولت لقرية صغيرة. ويحدثنا الفصل الرابع عشر عن نتائج الحفريات الأثرية التي جرت في المدينة وكشفت عن مباني عمرانية ضخمة لا يزال بعضها ماثلاً للعيان. وتشير خاتمة الكتاب إلى أن الناس لم ينقطعوا عن السكنى في القدس منذ الألف الرابع قبل الميلاد، وتطورت كغيرها من المدن الكنعانية حتى وصلت إلى ما وصلت إليه في الوقت الحاضر. كما وتعاقب على سكناها ووقعت تحت سيطرة قوى خارجية، لكنها كانت تنهض دائماً من تحت الركام لتبنى بأيدي أبنائها من جديد.