صدى الشعب – كتبت م.أماني الخلايلة
في خضم التحولات الإقليمية والعالمية، أصبح تنويع مصادر الاعتماد حاجةً مُلحةً لأمن الدول واقتصاداتها الطامحة إلى النمو المستدام، والصين هنا خيارٌ لا مفر منه.
كما هو الحال مع الاقتصادات الكبرى في المنطقة، تبنت السعودية تحالفات متوازنة مع بكين وواشنطن معتمدة على الاستثمارات وتوظيفها لتعزيز التعاون دون المخاطرة بالدخول في سياسة أحلافٍ اقتصادية، لاِختزال المخاطر في طيّات الفرص.
ونتيجة للظروف التي تعصف بالشرق الأوسط والتي سبّب بتحولاتٍ عميقة وأهمها التقارب الصيني المصري، حيث شغل مؤخرًا تحول التموضع المصري أوساط الدوائر السياسية والإعلام الأمريكي في ظل انشغال الرأي العام العالمي بملفات ملتهبة في غزة والضفة الغربية، وهذا الإهتمام تعزز بعد المناورة العسكرية الجوية المشتركة (نسور الحضارة 2025) بين البلدين والتي تجاوزت إطار الدبلوماسية إلى نواة لشراكة استراتيجية محتملة، عقبها زيارة قائد القوات الجوية المصرية الفريق محمود عبدالجواد إلى الصين حيث ناقش مع الجانب الصيني سُبل التعاون في مجالات التدريب العسكري، والتصنيع المشترك، ونقل التكنولوجيا. كما اطّلع على المقاتلة الصينية المتطورة J-35E، مما أثار تساؤلات حول إمكانية استبدال مصر طائراتها الأمريكية من نوع F-16 بالمقاتلة الصينية في المستقبل.
مثّل انفتاح القاهرة مع بكين خطوةً جريئةً أثارت دهشة المراقبيين في الغرب، في إطار سعيها الجاد لاستقطاب شراكات استراتيجية جديدة تحت بند «الإقتصاد قبل السلاح» لجذب الاستثمارات الأجنبية تدعم الإقتصاد الوطني وتُسهم في تحدياته الجمّة، وزيادة الاحتياطي النقدي من العملات الصعبة، وتعزيز التنمية المستدامة في المجالات السياسية والعسكرية والإقتصادية بما يعزز الأمن القومي المصري.
لكن السؤال إذن: لماذا اختارت الصين مصر تحديدًا لتكون بوابة نفوذها في الشرق الأوسط؟ فالإجابة تكمن في الحسابات الجديدة للقوة والمصالح، وتغير موازين القوى في المنطقة.
جاء الإنزياح المصري نحو الشرق باتجاه الصين بعد ضعف العلاقات المصرية الأمريكية؛ فالعلاقات العسكرية لم تعد كما كانت والمساعدات العسكرية لم تعد مضمونة وتلويح واشنطن علنًا بفرض عقوبات وتقليص الدعم عن القاهرة، ليمنح الصين موقعًا حساسًا ويُكسبها ورقة ضغط استراتيجية تواجه بها هيمنة القطب الأمريكي خصوصاً في ملف تايوان، حيث تُدرك الصين اليوم أن إسرائيل أصبحت “تايوان الشرق الأوسط” بالنسبة للحاضنة الأمريكية، لتخلق الصين نفوذًا عبر الأراضي المصرية يكبح مخاطر النفوذ الأمريكي في جزيرة تايوان.
ومن جهة أُخرى، تدرك الصين أهمية الموقع الجغرافي لمصر كبوابة استراتيجية لأفريقيا والمنطقة العربية يتماشى اقتصادياً مع استراتيجية بكين ضمن مبادرة “الحزام والطريق” (Belt and Road Initiative) التي تهدف إلى تعزيز التواصل التجاري والاقتصادي بين آسيا وأفريقيا وأوروبا مما يعزز نفوذها الإقتصادي ويقوض آمال واشنطن في “الممر الهندي” خاصة بعد التوترات التجارية الأخيرة بين الطرفين.
ما يحدث ليس شراكة تقليدية، وإنما إعادة تموضع جيوسياسي يحدد المسار الاستراتيجي المصري في السياسة الدولية، خاصة في ظل انتهاكات تصل إلى حد التطهير العرقي في غزة والضفة الغربية من قبل إسرائيل.
يبدو أن القاهرة أدركت أبعاد لعبة النفوذ الإقليمي جيدًا، فشرعت في بناء تحالفات دفاعية جديدة ساعية لتكون لاعبًا لا تابعًا، فهل نشهد لاحقًا تقاربًا أردنيًا صينيًا كجزء من هذا المشهد المتغير؟





