ما بين صيف “مغلق”، مر على الأردنيين بصعوبته وقسوة شروطه، وصيف “آمن” يشي بعودة الحياة لكثير من تفاصيلها؛ تتسلل البهجة لداخل النفوس، علّ المقبل يكون أفضل، بعد أن اختبر الجميع أوقاتا متعبة، تسبب بها فيروس كورونا الشرس، وتبعاته التي طالت معها كل شيء.
“الصيف” الذي يعني الانفتاح والحياة الصاخبة التي تضج بالمناسبات والفعاليات على المستوى العائلي والمجتمعي، وانتظار المهرجانات واللقاءات الجميلة، كانت غائبة بكل تفاصيلها تلك في الصيف الماضي، الأمر الذي جعل الكثيرين ينتظرون تلك القرارات التي أقرتها الحكومة أول من أمس، والتي تبين التدرج في فتح القطاعات وعودة الحياة لطبيعتها، بالتزامن مع المحافظة على المنحنى الوبائي المتدني لعدد الإصابات بفيروس “كورونا”.
لم يختف فيروس كورونا، ولا سلالاته، لكن انخفاض المنحنى الوبائي، وتراجع عدد الإصابات، وحصول أعداد كبيرة على اللقاحات، كان سببا بأن تصدر قرارات جديدة في جلها، عودة طبيعية للحياة، وإعادة فتح الكثير من القطاعات الاقتصادية، بعد ضرر كبير طال أصحابها.
ويشدد المختص بعلم الاجتماع والأوبئة على أن يكون هناك مواءمة بين التحسن الصحي والاقتصادي، لما لهذا التذبذب من مخاطر “اجتماعية، ونفسية وأسرية” في الوقت ذاته. عودة الحياة تدريجيا، بكثير من تفاصيلها، وعلاقاتها الاجتماعية، وحتى المناسبات والأفراح وإن كانت بأعداد محددة، تنظر إليها عائلات على أنها الطريق نحو “الانفراج” بعدما فرضته كورونا من ضغوطات نفسية ومتاعب وإرهاق انعكس على الأشخاص، وبخسائر كبيرة، سواء كانت مادية أو معنوية.
غير أن القرارات الجديدة التي تبدأ مع الأول من حزيران(يونيو)، يعول عليها كثيرا بالتزام المواطنين، وثقافتهم الصحية، ووعيهم التام بكل الإجراءات، لكي لا نعود يوما للمربع الأول، وهو ما يؤكده خبراء باستمرار، وهنا، يؤكد طبيب مجتمع وصحة عامة وبيئة ووبائيات الدكتور عبد الرحمن المعاني أن القرارت نوعا ما جاءت متأخرة في فتح القطاعات، فمن المحتمل أن يكون هناك موجة ثالثة، ولكن ضعفها أو قوتها تعتمد على الإجراءات الطبية التي يجب اتخاذها من تكثيف للتطعيم بين المواطنين، وعلى وعي المجتمع في الاستمرار في الإجراءات الوقائية الشخصية.
ووفق المعاني فإن الموجة الثانية من الجائحة، علمياً، انتهت في الثلث الأول من شهر أيار(مايو)، ولكن المسار الطبيعي للفيروس يؤكد وجود موجة ثالثة، تستمر عادةً إلى 8 اسابيع، ثم يعود الفيروس للانهيار والضعف، وتتقلص عدد حالات المصابين، وخطورة الأعراض، لذلك، على الجهات المعنية أن تعي أهمية أن تستمر وتكثف حملات إعطاء المطعوم التي تستهدف العاملين في القطاعات ذات الأعداد الكبيرة من العاملين، كما في قطاع التعليم والجهات الأمنية، والمطاعم والسياحة، والتي تشهد تجمعات واختلاط كبيرين.
بيد أن المعاني يؤكد أن الوضع الوبائي في الأردن الآن، وفي العالم بشكل عام، “مطمئن ومقبول”، ولكن استمرار هذا الاطمئنان والتوجه لصيف آمن، يتطلب الحرص والمتابعة والمراقبة في اتباع الإجراءات الوقائية، ونشر الوعي بين المواطنين من أن حصولهم على صيف آمن يعتمد على مدى تعاونهم مع الجهات المختصة وإقبالهم على المطعوم لحماية أنفسهم وعائلاتهم والمجتمع الكبير الذي يعيشون فيه.
ومن مؤشرات المناعة المجتمعية التي تسعى إليها الحكومة، يشير المعاني إلى أهمية أن يكون هناك ما لا يقل عن حصول 3 ملايين مواطن على اللقاح، والاستمرار بالإجراءات الاحترازية، ليصار إلى تطبيق التدرج الذي تم عرضه أول من أمس، حتى لا تضطر الحكومة في وقتٍ لاحق إلى التراجع عن تلك القرارات في حال تراجع الوضع الوبائي، وعادت الحالات بالازدياد، في ظل عدم وجود نسبة كافية حاصلة على اللقاح
ويعلل، لذلك، على المواطن أن يعي أن دخوله في صيف آمن يعني أن يستمر في عاداته الصحية المكتسبة خلال الفترة التي مرت على المجتمع، وأن يتشكل لدينا مناعة مجتمعية حقيقية تحمينا من العودة إلى المراحل الأولى من الوباء.
وكان وزير الدولة لشؤون الإعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة المهندس صخر دودين، أكد أول من أمس خلال إيجاز صحفي أن “المعيار الذي ترتكز الحكومة عليه في إجراءات فتح وإغلاق القطاعات، وزيادة أو تقليص الحظر الشامل والجزئي هو الوضع الوبائي، واتباع الإجراءات الاحترازية التي أثبت نجاعتها عالمياً”، لافتا إلى أن الإجراءات التخفيفية تتوافق مع المؤشرات التي تبين تحسن الوضع العام في الأردن، وسيكون هناك مراجعة دورية في ضوء تطور الحالة الوبائية، وقدرة القطاع الصحي على التعامل مع الوضع الوبائي، وسير برنامج التطعيم.
الفتح التدريجي للقطاعات للوصول إلى صيف آمن تتوزع على ثلاث مراحل، إذ تبدأ المرحلة الأولى في 6/1/ 2021، ويتخلّلها إعادة الفتح التدريجي لبعض القطاعات والأنشطة، وإجراءات لتنظيم دخول القادمين من خارج المملكة، وفي 7/1 / 2021، تقليص ساعات الحظر الليلي، تحفيز السياحة، والمرحلة الثالثة تبدأ في 1/9/2021، التي تستهدف العودة لغالبية مظاهر الحياة الطبيعية ما قبل الجائحة.
المختص بعلم الاجتماع الدكتور محمد جريبيع يعتقد أن تلك القرارات الحكومية تتوافق مع معظم دول العالم، وهذا مؤشر إلى أن العالم بأكمله يتجه نحو مرحلة “الآمان المرتقبة” التي تعمل عليها الجهات المختصة، للعودة التدريجية للحياة الطبيعية، مشيراً إلى أن مراقبة أعداد المصابين والحاصلين على اللقاح، تشير إلى أن الاردن اقترب من المناعة المجتمعية.
بيد أن هذا المسار الصحي، مرتبط ارتباطاً مباشراً بالواقع المجتمعي للدول، كما يبين جريبيع، كون العادات الاجتماعية والعلاقات المترابطة المتقاربة، هي من أبرز أسباب حدوث البؤر الوبائية، كما لاحظنا في وقتٍ سابق، لذا، على المواطنين أن يكونوا صفاً واحداً مع المختصين في القطاع الطبي من أجل أن نصل جميعاً لبر الآمان، حيث بينت الوقائع أن ارتفاع المنحنى أو انخفاضه يعتمد على التزام المجتمع بالإجراءات الاحترازية الوقائية بالدرجة الأولى، ومن هنا جاء مصطلح “التباعد الجسدي” للحماية من العدوى. ويؤكد جريبيع أهمية أن يكون هناك وعي مجتمعي لاستكمال ما بدأناه في أساليب الحماية من الوباء، وأن يجد كل مواطن نفسه بدرجة مسؤول، مسؤول عن نفسه وعائلته ومجتمعه الصغير، الذي يمتد إلى المجتمع الكبير في الوقت ذاته، وهذه ثقافة يجب أن تتجذر لدينا، وأن يكون هناك رادع ذاتي في عدم كسر تلك الإجراءات المُتبعة.
ويبين جريبيع أن المجتمع بشكل عام، تغير بشكل ملحوظ، سواء في عاداته الاجتماعية والأسرية والصحية في الوقت ذاته، حيث أصبح لدينا حرص على تقوية المناعة من خلال الإقبال على تناول الفيتامينات الخاصة بذلك، ووعي بمدى أهمية المحافظة على النظافة الشخصية للوقاية من المرض، وهذا قد يعد إحدى الإيجابيات للفترة الحرجة التي مرّ بها العالم أجمع، ولكنها خلقت ثقافة جديدة غيرت الكثير من المفاهيم الشخصية والاجتماعية والصحية، ستكون سبباً في توجه العالم لـ “صيف آمن وحماية من المرض”.