شهد الأردن، أزمات كثيرة، لكن الأزمة الأخيرة المرتبطة بالفتنة هي الأخطر، فهي تتعلق باستقرار الدولة، وما يعنيه ذلك على مستويات مختلفة، داخل الأردن، وخارجه.
السؤال الذي يتم طرحه في الأردن، في كل مكان، ماذا بعد هذه الازمة، وهذا السؤال يتنزل في سياق الكلام، عن الأردن بعد هذه الظروف، وهل ستتخذ الدولة إجراءات كثيرة، خلال الفترة المقبلة، على صعيد السياسات، وطريقة إدارة كافة الملفات، ام أن كل شيء سوف يبقى على حاله، ولا كأن شيئا حدث، خلال الأسابيع الماضية، بكل ما فيها من ترقب؟.
هناك افتراض منطقي لدى البعض، ان قراءة الأزمة وكلفتها، سيؤدي بالضرورة إلى مراجعة كل شيء، من السياسات، إلى طبيعة اختيار المسؤولين، وهذا المنطق يفترض إطلاق إشارات واضحة حول الإصلاح السياسي، والاقتصادي، مع إعادة إنتاج العلاقة مع الناس، ويبني من جديد الثقة الغائبة، ويرمم المشهد العام على المستوى الداخلي والخارجي، ويزيل كل أسباب التوتر، ويمكن البنية الوطنية والاجتماعية، وينهي حالة الاختلاف والجدل حول اشياء عديدة، ويجد حلا لكل الأزمات، خصوصا، على صعيد القوانين السالبة للحريات، ويصالح البنى الاجتماعية الساخطة، وينهي أي ملفات عالقة على صعيد الموقوفين والمعتقلين، مع حل الأزمات الحياتية، من البطالة وصولا الى المياه.
هذا الافتراض صحيح، لكن المؤسف هنا، ان هناك من يرفض هذا الاتجاه، ويرى في التجاوب مع أسباب التغيير، مجرد خضوع لأزمة، أو تأثرا بها، أو اعترافا أن هناك أخطاء يتوجب معالجتها، بل ويرى أصحاب هذا الرأي أن التجاوب السريع، سوف يظهر الدولة، هشة ضعيفة لم تحتمل أزمة حساسة، فاضطرت ان تتخذ إجراءات غير مسبوقة، ويصر هؤلاء على ان إبقاء كل شيء على حاله، هو الدليل على قوة الدولة وثباتها، وعدم تأثرها بأي ظروف مستجدة، ومواصلتها لذات سياساتها، دون أي تغيير بما يعكس قوتها.
الخلاصة هنا تقول ان لا شيء سوف يتغير سريعا، وهناك من يقاوم فكرة التغير السريع، لأن البعض يعتقد ان التغييرات السريعة سوف تعكس حالة قلق أو هلع، لا يراد عكسها، بأي طريقة كانت وسط ترقب جهات عدة.
لكن دعونا نتحدث بصراحة، فالأزمة الأخيرة، حساسة جدا، بكل ما تعنيه على الصعيد الداخلي، وأمام عواصم العالم، والاستجابة لكلفة الازمة، يخفف منها، ولا يعني ضعفا، ولا تراجعا، ولا هشاشة، ولو كنا منطقيين قليلا، لوجدنا من يحلل الأزمة جيدا، بعيدا عن إدانة هذا أو ذاك، نحو تحليل الموقف ذاته وكلفته على الأردن، ولخرج كثيرون بخلاصات مهمة، لا بد أن تتحول إلى سياسات وقرارات بشكل واسع يثبت أن الدولة عملية وبراغماتية ولديها القدرة على إعادة قراءة المشهد، والخروج بخلاصات مختلفة.
محاولة بناء صورة تقول إن لا شيء قد حدث، لا تؤشر على القوة ابدا، ربما تؤشر على سوء التقدير للحظة، وعدم فهم الحالة السائدة بين الناس، فنحن أمام شعب مرهق جدا، هذه الأيام، مثلما لا يعرف إذا كان سيجد الماء هذا الصيف أو لا، ولا أعرف ما هي مصلحة أي مسؤول في أن يتحول الشعب الى هذه الحالة المعنوية، التي تفوق تأثيراتها تأثيرات حرب خارجية على الأردن، وشعبه.
ربما تغيب التساؤلات بشكل علني في الأردن، لحساسيات كثيرة، لكن من يتابعون الشأن الأردني من عرب وأجانب يسألون ألف سؤال حساس في اليوم، وجلهم ليسوا من أعداء الأردن، حتى لا يتم اتهامهم في النوايا، ولا التشكيك في دوافعهم.
الأزمة الأخيرة بكل ما فيها، تحتاج إلى قراءة تحليلية مختلفة، نحن بحاجة الى عقلاء يقولون ان عاصفة هبت على هذه البلاد، وتركت أثرا حادا قد لا يراه البعض، بسبب فقدان البصر والبصيرة عند تقييم حالة السكون الداخلية.
فرق كبير بين التصرف كأن شيئا لم يحدث في الأردن، باعتبار ذلك دلالة على القوة والاستقرار، وبين ان يكون دلالة على سوء التقدير، وعدم تحليل الظرف بشكل عميق.