د. نبيل الكوفحي
قدرة الله عز وجل بالارادة ( إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)، لكنه لم يمكن لنبيه صلى الله عليه وسلم اول هجرته، بل خاض معارك مع قريش وغيرها، وقدموا تضحيات؛ لتكون درسا لنا من بعده. فالنصر قبل التمكين سنة ثابتة، ولا يكون النصر الا بعد الاخذ باسبابه، واسبابه واضحة وجلية كلها وردت في القران الكريم.
في رمضان من السنة الثامنة من الهجرة، شدت رحال جيش المسلمين إلى مكة المكرمة، اثر نقض قريش لعهدها في صلح الحديبية في نصرتها لبني الديل بن بكر ضد قبيلة خزاعة الذين كانوا في حلف مع المسلمين. لقد حافظ المسلمون على عهد ” صلح الحديبية” لامر الهي ( والذين هم لاماناتهم وعهدهم راعون).
اتخذ الرسول صلى الله عليه وسلم كافة الاسباب، فجمع جيشا ضم عشرة الاف مقاتل وحافظ على سر الوجهة لتحقيق المباغتة للعدو. فلما اقترب من مكة اراد ان يلحق الهزيمة النفسية في قلوب كفار قريش؛ فامر كل من في الجيش ان يشعل نارا، فأشعلت عشرة الاف نار، فما ان رآها ابو سفيان الا وادرك انهم لا قبل لهم بالمسلمين، فعاد ينشر الرعب في نفوس القريشيين.
دخل المسلمون مكة سلما بعد أن نقل لهم و أذن فيهم أبو سفيان؛ من دخل المسجد الحرام فهو آمن، ومن أغلق عليه بيته فهو آمن، ومن دخل بيت أبي سفيان فهو آمن. وصعد بلال بن أبي رباح رضي الله عنه الكعبة، وصدح بالأذان ( الله اكبر… ) بينما كان قبل ثمانية سنوات عبدا عاريا فوقه صخرة يقول وهو بالكاد يسمع : أحد أحد. سمي فتح مكة بالفتح الاعظم، وقد كان سلميا، لكنه أنهى أشد اعدائه في حينه و مكن للاسلام وحل التوحيد أقدس بقاع الارض.
كما حان التمكين لهذا الدين بفتح سهل لمكة، وكما انتهت قصة النمرود الذي اعجز الخلق، لكنه لم يعجز الخالق فانهاه ببعوضة، وانهى من قال ( ما علمت لكم من اله غيري ) أي فرعون بالغرق في البحر. فان الله سبحانه قادر حينما يشاء ان ينهي ظلم الاحتلال لفلسطين وابادة اهل غزة بنصر من عنده لا نعلم شكله واوانه.
عودة لايامنا هذه، فلا ينبغي لنا أن نفكر كيف سينهي الله عز وجل الاحتلال والظلم ؛ بل علينا ان نتفقد موقفنا وعملنا وجهادنا عن الحق، فهل قدمنا ما بوسعنا، وما بيُريء ذمتنا يوم السؤال ( يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من اتى الله بقلب سليم).
ان من اسباب وجوب الجهاد نصرة المظلومين ( وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا). وخلاف ذلك فلنتدبر قوله صلى الله عليه وسلم ( ما من امرئ يخذل امرءا مسلمـا عند موطن تنتهك فيه حرمته ، وينتقص فيه من عرضه، إلا خذله الله عز وجل في موطن يحب فيه نصرته، وما من امرئ ينصر امرءا مسلمـا في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته).
في ختام هذه السلسة الثالثة؛ اللهم اشهد اني قد بلغت ونصحت، فالدين النصيحة، ( والله غالب على امره ولكن اكثر الناس لا يعلمون).