صدى الشعب – كتبت د.روان سليمان الحياري
في مرحلة صعبة ودقيقة يمر بها الإقليم، تتسم بإعادة ترتيب موازين القوى الإقليمية والدولية وترسيم خرائط النفوذ والوجود فيه، تتصاعد المخاطر السياسية والأمنية التي تهدد القضية الفلسطينية بشكل مباشر. يأتي ذلك في سياق مساعٍ الإدارة الأمريكية المتماهية مع اليمين الإسرائيلي المتطرف، لتصفية القضية الفلسطينية، عبر تنفيذ مخططات تسعى لترحيل الازمة خارج نطاقها وعلى غير أرضها، من خلال تهجير سكان غزة “طوعياً” إلى الأردن ومصر، كمرحلة أولى، ليعيد هذا السناريو إحياء مشروع ما اطلق عليه “صفقة القرن” بشكلٍ جديدٍ أكثر طموحاً، ضمن خطط أنجزت آلة الحرب في غزة جزءاً هاماً منها بتحويل القطاع إلى منطقة غير قابلة للحياة، وفيما لا يقل خطورة عما يحدث الآن من سيناريوهات التأزيم في الضفة الغربية، ولنفس الهدف، ليصبح بالنتيجة الترحيل القسري مبرراً تحت مسمى “التهجير الطوعي” الأكثر نجاعةً هنا، فبِهِ تطمس هوية وحق اللجؤ، لينتهي الأمر بضم الضفة الغربية. تلك التطورات تضع كل من الأردن ومصر، -باعتبارهما الدول الأكثر تأثراً بهذه المخططات- أمام تحديات أمنية وسياسية جسيمة، في حين ستتحمل دول المنطقة لاحقاً تبعات الصراع ونتائج الإقصاء والتهجير.
ويبرز السؤال هنا: هل سيغادر الفلسطيني أرضه و هو من عاش 15 شهراً تحت القصف والتجويع والإبادة…وهو على يقين أن من خرج بنكسات و نكبات سابقة لم ولن يعود؟ بل إن الآف النازحين الغزيين الآن محتشدين بانتظار العودة الى الشمال المدمّر.
ما يحتاجه الإقليم الآن أكثر من أي وقت مضى هو خطة إنقاذ سياسية عاجلة، وذات بعدٍ استراتيجي على المدى الطويل، ذلك أن الحل السياسي العادل والشامل للقضية الفلسطينية هو الوحيد لتحقيق السلام والأمن في الشرق الأوسط،
موقف الأردن واضح في رفض تصفية القضية الفلسطينية على حسابه أو تحويله إلى وطن بديل. ويقدم حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وبما ينسجم مع قرارات الشرعية الدولية، كحل جذري و ليس لغايات ترحيل الأزمات، مدركاً أنه اليوم أمام خيارات صعبة ذات أبعاد سياسية واقتصادية، ستتعاظم معها الضغوط الاقتصادية على اقتصاد يعاني أصلا.
أمّا في إطار تعامل الأردن مع ذلك، على الصعيد الداخلي أولا، لا بد من حوار وطني يضم كافة القوى الوطنية السياسية والاقتصادية والمدنية، لبحث سبل الشروع الفوري في الإعتماد على الذات، بما يعزز صموده اقتصاديًا وسياسيًا، ومن خلال السير بإنفاذ خطط مشروع التحديث الوطنيّ الشامل، السياسي والاقتصادي والاداري، بأولويات محددة، ترتبط بخطط قابلة للتنفيذ المباشر، و تعزز إنفاذها مسائلةً حقيقية، وتعزيز الوحدة الداخلية وتحصين الجبهة الداخلية، بإدراك الخطر الوجودي المحدق بنا، و أمّا على الصعيد الخارجيّ، بتعزيزالتحالفات الإقليمية والدولية، وتكثيف الجهود الدبلوماسية، وتنويع الشراكات الاقتصادية.
مما لا شك فيه، بأن إعادة إعمار غزة تمثل تحديًا جديدًا للإقليم و العالم ككل، يعكس مقاربة ترامب للمنطقة بين المشاريع الاقتصادية والسياسية، فطلب ترامب شراء غرينلاند على سبيل المثال، في خطاب تنصيبه، يعكس طموحه لتوسيع النفوذ الأمريكي في المناطق الإستراتيجية، خاصة في القطب الشمالي، حيث تتزايد التحركات الصينية، على اعتبار أن الموارد الطبيعية والموقع الجغرافي يشكلان إضافة نوعية لمشروع “إعادة عظمة أمريكا” البراغماتي، فهل من الممكن سحب ذلك على غزة، ولربما قد يجيء إعادة الإعمار فيها على شكل احتياطي استراتيجي عالمي للغاز أو قناة مياه اصطناعية على غرار بنما المستعادة مثلا، وقتها الى أين سيعود الغزييون ؟!