العلوان لـ(صدى الشعب): الأمطار لم تعد استثناء والواقع المناخي تجاوز قدرة البنية التحتية
صدى الشعب – سليمان أبو خرمة
لم يكن المنخفض الجوي الأخير مجرد حالة مطرية عابرة؛ بل كشف مرة أخرى حجم التحديات التي تواجه البنية التحتية في مختلف مناطق المملكة، وعجز شبكات التصريف والطرق عن التعامل مع أمطار غزيرة تُعتبر طبيعية في مواسم الشتاء.
وعلى الرغم من تأكيد الجهات المعنية جاهزيتها للتعامل مع حالة عدم الاستقرار الجوي، إلا أن مشاهد انجراف المركبات، وانهيار الطرق، وتكرار الإغلاقات أثارت موجة تساؤلات حول جاهزية البنية التحتية، ومؤشرات التقصير في مناطق عديدة، ولولا عناية الله وحدها لكان هنالك خسائر بشرية مؤكد.
سيول تجرف مركبات… وطرقات تتحول إلى مجارٍ مائية
وشهدت محافظات المملكة من عمّان إلى إربد والزرقاء والسلط والطفيلة والمفرق موجة من السيول الجارفة والانهيارات الطينية والصخرية.
وفي الزرقاء تحديدًا، انجرفت حافلة ومركبات في منطقة وادي الزيغان، نتيجة السيول المتدفقة التي تجاوزت قدرة الشوارع على التصريف، وسط فوضى مرورية استمرت لساعات.
وفي السلط، أدت الانهيارات المتكررة على طريق وادي شعيب إلى إغلاق الطريق في ستة مقاطع كاملة، نتيجة انجراف الأتربة والصخور، بينما غرقت محال تجارية في البقعة، وتوقفت محطة مياه رئيسية عن الضخ بسبب عكورة المياه.
أما في الطفيلة، فقد انهارت أجزاء من الطريق المؤدي إلى الأغوار الجنوبية، وأُغلقت طرق رئيسية بسبب انسداد مناهل التصريف، ما اضطر مواطنين للتوقف داخل مركباتهم وسط تجمعات مائية خطيرة.
خسائر مادية ولكن أيقظت جرس الإنذار
ورغم أن المنخفض لم يتسبب بخسائر بشرية إلا أن مشاهد انجراف المركبات، وإغلاق الطرق الحيوية، والأضرار التي طالت المدارس وخسائر المحال التجارية ومنشآت عامة، تطرح سؤالًا كبيرًا، فهل تبقى خطط الاستعداد مجرد حبر على ورق.
وخاصة أن بعض المناطق التي غرقت أو شهدت انهيارات، سبق أن تعرضت للحوادث نفسها في السنوات الماضية دون وجود معالجة جذرية.
ما جرى ليس خلل تصريف بل خلل في طريقة تصميم المدن
وبهذا الإطار، قال رئيس شعبة الهندسة المدنية في نقابة المهندسين الأردنيين المهندس مالك العلوان إن المدن الأردنية تشهد خلال السنوات الأخيرة تكراراً ملحوظاً في ظواهر الفيضانات والسيول وارتفاع منسوب المياه، بمجرد تعرضها لأمطار قصيرة المدة.
وأكد أن الأمطار الغزيرة لم تعد حدثاً استثنائياً، بل أصبحت جزءاً من نمط مناخي جديد يتطلب تكامل هندسي وعمل مؤسسي مبني على استدامة المدن والحد من المخاطر، وبما يضمن حماية الأرواح والممتلكات، ويرفع قدرة المدن الأردنية على مواجهة مستقبل مناخي يكشف عن تحديات عميقة في البنية التحتية ترتبط بعوامل هندسية ومناخية.
وأضاف أن المشهد لا يعبّر عن مجرد خلل في شبكات التصريف أو مشكلة طارئة في التنظيف، بل يبرز ظاهرة مرتبطة بتغيرات مناخية متسارعة تتجاوز الافتراضات التي صُمّم وفقها النظام الحضري والهندسي في المدن القديمة والحديثة على حد سواء.
المدن بُنيت على معطيات قديمة وحان وقت إعادة هندسة شاملة
وبين أن نمط الهطول المطري في الأردن والمنطقة تغيّر بصورة جذرية، إذ أصبحت الأمطار تأتي بكثافة عالية وفي مدد زمنية قصيرة جداً، ما يجعل كل موجة مطرية قادرة على إنتاج حجم جريان سطحي يتجاوز قدرة شبكات التصريف، خصوصاً عندما تكون مصممة وفق بيانات مناخية تعود لعقود مضت عندما كانت الأمطار أكثر انتظاماً وأقل حدة.
وأشار إلى أن التوسع العمراني الكبير في المدن الأردنية رفع نسبة الأسطح الصلبة مثل الأسفلت والبلاط والأرصفة والخرسانة، وفي ظل غياب حلول فعالة لمواجهة هذه التحديات، بات من الضروري تطبيق مفاهيم البنية التحتية الخضراء، ومنها استخدام الأسطح القابلة للنفاذ والحدائق الممطرة، إضافة إلى إنشاء نظم حصاد مياه الأمطار وخزانات تحت الأرض لتخزين المياه واستخدامها خلال فترات الجفاف.
وأوضح أن حسابات التصريف تعتمد على معادلات دقيقة تأخذ بالاعتبار المساحة ومعامل الجريان ونوع السطوح ونمط الأمطار، إلا أن هذه الحسابات تفقد فعاليتها عندما يصبح الواقع المناخي مختلفاً عن الافتراضات التصميمية.
وبين أن المدن الأردنية مبنية في تضاريس متنوعة، فبعضها يقوم على سفوح الأودية القديمة التي تغيرت مساراتها بفعل تطور قطاع الإعمار، وبعضها الآخر توسع بالقرب من مناطق كانت قنوات طبيعية لتدفق المياه، ما يجعل أي تغير في الهطول ينعكس مباشرة على ارتفاع منسوب المياه في الشوارع.
وقال إن انسداد المناهل بالحطام والانجرافات نتيجة عدم إجراء الصيانة الدورية وعدم تحديد أماكن البؤر المعرضة للمشكلات قبل بداية المواسم المطرية يفاقم من تراجع القدرة الفعلية للشبكات على التصريف.
وأكد أهمية إعادة تقييم أحواض التصريف باستخدام نظم المعلومات الجغرافية، ودراسة مجاري الأودية وارتباطها بالمخاطر الحالية من قبل خبراء في الهندسة الهيدرولوجية وشركات هندسية مختصة وجهات علمية بحثية محايدة، إضافة إلى الاستثمار في البنية التحتية الخضراء.
وقال إن تكرار هذا المشهد يجعل من الضروري إعادة تشكيل العلاقة بين الهندسة المدنية وعلوم المناخ والتخطيط الحضري المستدام، مشيراً إلى ضرورة تكامل الجانبين الهيدرولوجي والمناخي لبناء مدن أكثر مرونة وقادرة على التكيف مع التحديات المناخية المستقبلية، وبما يحقق استدامة حقيقية في البيئة العمرانية الأردنية.






