توجهت الأنظار اليوم في لبنان إلى جلسة مناقشة وإقرار موازنة 2022، إذ لم يقتصر الاعتراض عليها من قبل المعارضين في داخل مجلس النواب، والذين سبق أن “طيروا” النصاب في جلسة 16 أيلول/سبتمبر، بل انسحب ذلك إلى خارج مبنى المجلس حيث سُجّلت تحركات نقابية في محيط ساحة النجمة أبرزها للعسكريين المتقاعدين، الذين حاولوا اقتحام المجلس ونجحوا في اختراق الحاجز الحديدي للجيش نحو مدخل البرلمان من أجل إسماع صوتهم، وذلك في ظل تراجع القدرة الشرائية لرواتبهم ورفض مضاعفة الرواتب مرة ونصف فقط.
وتمّ رمي قنبلة مسيلة للدموع على المحتجين لإعاقة دخولهم إلا أن تأثيراتها أصابت أيضاً بعض العناصر الأمنية والنائب جميل السيّد، الذي خرج من مبنى البرلمان ليتواصل مع العسكريين المتقاعدين، ويطلب من العميد المتقاعد جورج نادر تهدئة العسكريين القدامى، رافضاً “أن يوضع عسكري متقاعد في وجه عسكري في الخدمة الفعلية”.
وأبلغ السيّد المتظاهرين أنه يعمل من داخل الجلسة على إصدار قانون بموافقة رئيس مجلس النواب، نبيه بري، وطلب منهم تشكيل وفد مصغّر لمرافقته إلى داخل المجلس، ملوّحاً بأنه “يعطي مهلة للحكومة والمجلس عشرة أيام “يا بيعملوا الصح أو منرجع لمتل ما كان وأسوأ”.
وجاءت أبرز مطالب العسكريين كالتالي:
1- وقف كل أشكال الاستنسابية والتمييز العنصري في التعامل بين موظفي القطاع العام ومتقاعديه، والتي تشكّل خرقاً فاضحاً للدستور في تأكيد مقدمته على مبدأ المساواة، وخرقاً للقوانين المرعية الإجراء التي حدّدت بوضوح رواتب موظفي القطاع العام والزيادات الطارئة عليها، استناداً إلى الفئات الوظيفية وسنوات الخدمة لا غير.
2- احتساب المساعدة على الراتب أو المعاش التقاعدي كاملين وليس على أساس الراتب أو أساس المعاش التقاعدي، لأن ذلك يؤدي إلى تقاضي العسكريين في الخدمة والتقاعد 50% مما يتقاضاه سائر الموظفين الذين يوازونهم في الرتبة والدرجة.
3- رفع الحد الأدنى للمساعدة الاجتماعية لإنصاف ذوي الدخل المحدود.
4- إلغاء ضريبة الدخل على المعاشات التقاعدية استناداً إلى قرار المجلس الدستوري رقم 13/ 2019.
5- تأمين الاعتمادات الكافية للاستشفاء والمساعدات المدرسية.
وحضر وزير الدفاع في حكومة تصريف الأعمال موريس سليم الى حيث تظاهرة العسكريين المتقاعدين، وأبلغهم “أن المطالبة بالحقوق تشمل العسكريين بفئاتهم كافة وعوائل الشهداء والعسكريين المتقاعدين بما فيها كل الأسلاك العسكرية”، معتبراً “أن هؤلاء أعطوا عمرهم في الخدمة ودافعوا عن الأرض والشعب وردوا كل الأخطار التي تهدّد بلدنا”. وقال “نعمل ضمن إمكانات الحد الأقصى لنيل حقوق العسكريين. في المرحلة الأولى كانت هناك مساعدة اجتماعية وتضاعفت واليوم تقرّر أن تتضاعف الرواتب 3 مرات، أما الحسابات التفصيلية فهي تعود للأجهزة المختصة في المال، وموضوع المخصصات فيحسم لاحقاً وفق الحسابات وفي موازنة 2023 سيطرح تعديل قيمة الراتب من أساسه”.
وفي داخل الجلسة، اعترض رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان على الأرقام المرسلة من وزارة المال لاعتماد الدولار الجمركي على تسعيرة 15 ألف ليرة، في محاولة للتوفيق بين المزاج الشعبي وطرح صندوق النقد الدولي الذي يفضّل رفع سعر صرف الدولار إلى مستوى 20 ألف ليرة، في ظل تخوّف مما سيؤدي إليه العجز في الموازنة وتغطيته من خلال طبع مزيد من الليرات، وبالتالي ارتفاع إضافي في الدولار إلى معدلات غير مسبوقة.
وردّ الرئيس بري على ما أدلى به رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي حول “تعهّد صندوق النقد الدولي بتسديد عجز الموازنة بعد الاتفاق وإلا ذاهبون إلى التضخم”، فقال مخاطباً ميقاتي “عم تغلط، يشطب من المحضر، أنا والمجلس النيابي لا نخضع لا لصندوق النقد ولا لغيره والمجلس سيّد نفسه وهناك سيادة في مجلسنا”.
وتناول النقاش قضية الواردات التي لحظت عجز 16 ألف مليار وتم تعليق بند الواردات لإعادة الاتفاق على الأرقام بعد كلام وزيري الأشغال والاتصالات عن واردات غير ملحوظة.
وقال رئيس “تكتل لبنان القوي” النائب جبران باسيل “نعيش، أقلّه كتكتل معضلة، من جهة لا يجوز أن نكمل بموازنة كهذه غير واضحة وأرقامها غير منظمة وبعيدة عن الإصلاحات، ومن جهة أخرى كون إقرار الموازنة يساعد على انتظام المال العام وتصحيح وضع الإدارة”. وأضاف “نريد أرقاماً واضحة، تقرير وزارة المال لا يحتوي كل الأرقام والآن تأتي الحكومة لتعطينا في كل وزارة أرقاماً جديدة”.
واعتبر رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل “أن الموازنة عبارة عن مواد وهمية وهي بمثابة عملية انتحار جماعية وتشريع التهرب الضريبي والاقتصاد الموازي”، واصفاً إياها بـ”المهزلة ولكن حرصاً على وحدة صف المعارضة قررنا أن نحضر ونسجل اعتراضنا من داخل الجلسة على كل هذه المواد التي هي خارج كل منطق وستؤدي إلى انهيار ما تبقى من اقتصاد لبنان”. وقال “بدلاً من القيام بالإصلاحات والنظر في كيفية إدخال الدولار إلى البلد نضيّع وقتنا بالهروب إلى الأمام”، معتبراً “أن كل الإيرادات التي يجري الحديث عنها هي وهمية لأن زيادة الرواتب ستؤدي إلى مزيد من طبع العملة وارتفاع حجم التضخم وبالتالي انخفاض القدرة الشرائية”. وأضاف: “إذا كان نصف الاقتصاد اليوم يتراوح بين شرعي وغير شرعي، فمع هذه الموازنة سيتحوّل اقتصادنا إلى غير شرعي بالكامل لأن الناس ستهرب من الضرائب وتنتقل إلى الاقتصاد الموازي”.
واقترح نواب كتلة “الجمهورية القوية” إعادة العمل بإعفاء معاشات التقاعد من الضريبة على الرواتب والأجور فأقرّ الاقتراح، وطرحوا ضرورة استعادة مبلغ 52 مليون دولار فريش من شركات الطيران لمصلحة الجامعة اللبنانية، وأكد النواب هذا الأمر.
إلى ذلك، وافق المجلس على استيفاء رسوم جوازات السفر بقيمة مليون ليرة للخمس سنوات ومليونَي ليرة للعشر سنوات.
وقال بري لميقاتي “هيدي آخر مرة يا دولة الرئيس بقبل بفرسان الموازنة، مش معقول 120 قانون بجلسة واحدة”.
وفي ختام المناقشات، صوّت المجلس النيابي على إقرار الموازنة بأكثرية 63 نائباً ومعارضة 37 وامتناع 6، وأبرز ما تضمنته الموازنة زيادة رواتب موظفي القطاع العام المدنيين والعسكريين والمتقاعدين والمتعاقدين وكافة الأجَراء في الدولة بنسبة ضعفين على الراتب الأساسي على أن لا تقل الزيادة عن 5 ملايين لبنانية ولا تزيد عن 12 مليون. وهذه الزيادة تعتبر استثنائية محدودة الزمن ريثما تتم المعالجة النهائية لموضوع الرواتب ولا تُحتسب في تعويضات نهاية الخدمة أو المعاش التقاعدي.
وقد بُنيت أرقام الموازنة على احتساب الدولار الجمركي بقيمة 15 ألف ليرة، كما أعلن الرئيس ميقاتي. وبلغ حجم النفقات في الموازنة 40873 مليار ليرة، أما الإيرادات فبلغت 29986 ملياراً.