ماجد توبه
رغم هزالة المواقف الرسمية العربية تجاه حرب الابادة الاسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني وقطاع غزة، فإن العدوان الاسرائيلي والتصدي الفلسطيني البطولي له أعاد خلط الاوراق الاميركية والاسرائيلية وأفشل جهودا حثيثة عملوا عليها سنوات طويلة لتعبيد الطريق امام خطوة محورية في مسار التطبيع مع العرب، وهي أساسا التطبيع مع السعودية، حيث وضع ذلك هدفا استراتيجيا اسرائيليا وامريكيا لاستكمال ما سمي بالسلام الابراهيمي.
التطبيع مع السعودية، التي تحتل مكانة عربية واسلامية محورية، بقي في الاجندة الامريكية والاسرائيلية هدفا وجائزة كبرى تسعى اسرائيل لقطفها لاكمال سيطرتها على كل المجال الحيوي العربي والخليجي والتفرغ لالتهام ما تبقى من ارض وحقوق فلسطينية واسدال الستارة على القضية الفلسطينية واية حلول لها، كما كانوا يتوهمون.
كان هذا الهدف يقترب بحسب تسريبات الامريكان والاسرائيليين وتمارس امريكا لاجله الضغوط وتقديم الحوافز المغرية للسعودية، الى ان جاء طوفان الاقصى في 7 اكتوبر، الذي زلزل اساسات الكيان الصهيوني وهشمه واعاد اسرائيل الى معركتها الاولى، وهي حرب البقاء في هذه البقعة الجغرافية من الاقليم والبحث عن امن واستقرار لن يجدوه يوما.
على الدوائر السياسية الامريكية والاسرائيلية ان تقف طويلا امام نتائح استطلاع الراي الجديد الذي اجراه معهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى للراي العام السعودي، حيث اظهر ان 96% من السعوديين يعتقدون ان على الدول العربية قطع جميع علاقاتها مع اسرائيل رفضا للعدوان على غزة، وبين ايضا ان 87% من السعوديين يرون أن الحرب أظهرت أن “إسرائيل ضعيفة للغاية ومنقسمة داخلياً بحيث يمكن هزيمتها يوماً ما”.
واتفقت الأغلبية الساحقة من المستطلعة آراؤهم (91%) مع مقولة أنه “على الرغم من الدمار والخسائر في الأرواح، فإن الحرب في غزة هي انتصار للفلسطينيين وللعرب وللمسلمين”. وأعرب 40% من السعوديين عن مواقف إيجابية تجاه حركة “حماس”، مقارنة بـ 10% في استطلاع مماثل جرى قبل عدة أشهر من بدء الحرب.
قد تبدو نتائج الاستطلاع المذكور لمواقف الشعب السعودي مفاجئة لدوائر صنع القرار الامريكي والاسرائيلي، والتي تخلط عادة ما بين مواقف الحكومات والانظمة وبين مواقف الشعوب العربية، وهو خلط يقع به ايضا الكثير من النخب العربية وعامة الناس، فتجد على مواقع التواصل الاجتماعي حروب “داحس والغبراء” بين “نشطاء” واشخاص يقدمون انفسهم ممثلين لشعوبهم ويزعمون بوجود انقسامات وتباينات في مواقف الشعوب العربية تجاه فلسطين وعدوانية اسرائيل.
نقول قد تبدو نتائج الاستطلاع مفاجئة للنخب الامريكية وغيرها، لكنها بالنسبة لنا ليست غريبة وهي الاصل الحقيقي لمواقف كل الشعوب العربية من المحيط الى الخليج، فليس هناك قضية تجمع عليها الشعوب العربية مثل قضية فلسطين وقداستها وحقها في التحرير. دع عنك الذباب الالكتروني وصناع الفتن واصحاب “أقلام للإيجار” على مواقع التواصل، الذين للاسف يبدو صوتهم هو الأعلى ويحاولون استخدام سياسة جر “القطيع” خلفهم باستثارة الغرائز والوطنيات الكاذبة للتبرؤ من فلسطين والتبرير لاسرائيل والتطبيع معها، او اثارة النعرات والعنصريات مع الشعوب العربية الاخرى، فكل هؤلاء قلة ماجورة وبها لوثة لكن صوتها يبدو عاليا على مواقع التواصل فقط.
صناع الفتن والنعرات والتقسيم بين العرب وممتهني سياسة شتم الشعوب وبما يصب بصالح اسرائيل، موجودون في كل البلاد العربية، في السعودية والامارات ومصر والاردن.. وفي فلسطين ايضا، وفي كل البلاد العربية، لكن كل تضليلاتهم وموبقاتهم تبقى زوبعة في فنجان، ويبقى الحس النقي والقيم العربية متجذرة في انفس كل الشعوب العربية والاسلامية.. خاصة تجاه قضيتها الاولى فلسطين.
قد تبدو تحركات الشعوب العربية اليوم ضعيفة على الارض في مؤازة الشعب الفلسطيني في تصديه لحرب الابادة، لظروف واسباب يصعب نقاشها بهذه العجالة، لكنها أبدا لا تعكس تخليا عن فلسطين ولا تسليما امام العدو الصهيوني.. ولا بد من قيامة عربية تكنس ذل وقهر سنين طويلة، وعلّ فلسطين تكون هي الشرارة