مجالس المحافظات بين مطرقة تخفيض الموازنات وسندان الاحتياجات… هل تصمد!
العزام: “مصيدة السنة المالية” تبتلع مخصصات المحافظات وتفجّر أزمة مشاريع متعثرة
صدى الشعب – سليمان أبو خرمة
يثير التراجع الحاد في المخصصات الرأسمالية لمجالس المحافظات للعام المالي 2026، والذي وصل إلى نحو 30 بالمئة مقارنة بالعام الحالي، حالة من القلق في الأوساط المحلية والتنموية، وسط تحذيرات من أن هذا التخفيض سيترك آثاراً مباشرة على قدرة المجالس في تنفيذ خططها ومشاريعها ذات الطابع الخدمي.
ويأتي هذا التراجع في الوقت الذي تعتمد فيه العديد من المحافظات بصورة شبه كاملة على هذه الموازنات لتأهيل البنية التحتية وتطوير القطاعات الحيوية، مثل التعليم والصحة والمياه والطرق.
وبحسب مشروع قانون الموازنة الذي أقره مجلس الوزراء وأحاله إلى مجلس النواب، تم تحديد مخصصات المجالس بـ100 مليون دينار فقط للعام 2026، مقارنة بـ135.5 مليون دينار خلال 2025، فيما تستعد اللجنة المالية في مجلس النواب لمناقشة أرقام الموازنة مع مختلف الوزارات والوحدات الحكومية قبل رفع توصياتها إلى المجلس تحت القبة.
وتبرز المخاوف بشكل أوضح في محافظات ذات كثافة سكانية ومساحة واسعة، مثل إربد، التي انخفضت موازنتها من 14 مليون دينار إلى 9 ملايين فقط، بعدما كانت في سنوات سابقة تلامس 30 مليون دينار، رغم اتساع نطاقها الجغرافي وتوزعها على عشرة ألوية تضم مئات القرى والبلدات، إلى جانب تجاوز عدد سكانها حاجز المليونين، ما يضع مزيداً من الضغوط على قدرتها في تلبية الاحتياجات المتنامية.
تضخّم موازنة الوزارة مقابل تراجع المجالس “مفارقة صارخة” تغيب العدالة بتوزيع الموارد
وفي هذا السياق، أكد الخبير في الشأن البلدي أسامة العزام أن تخفيض موازنات مجالس المحافظات بنسبة 30 بالمئة يشكل، انكماشاً تنموياً قسرياً سيؤثر بشكل مباشر على قدرة تلك المجالس على تنفيذ خططها وبرامجها التنموية خلال العام المقبل.
وقال العزام خلال حديثه لـ(صدى الشعب) إن المخصصات الرأسمالية للمحافظات تنخفض من سقف 135.5 مليون دينار في عام 2025 إلى 100 مليون دينار فقط لعام 2026، مبيناً أنّ هذا الانخفاض هو سحب بساط السيولة من تحت أقدام المجالس، إذ إن خصم نحو 35.5 مليون دينار لن يمر “مرور الكرام، بحيث ستجد المجالس نفسها مكبّلة ومجبرة على تحويل دورها من التطوير وإنشاء المشاريع الجديدة إلى مجرد إدارة للأزمات وسداد الالتزامات السابقة، الأمر الذي يفرغ فكرة التنمية المحلية من مضمونها الحقيقي.
وأضاف أن هذا التخفيض من شأنه إعادة تجربة اللامركزية إلى نقطة الصفر وفق ما تبين من ارقام، في ظل وجود مفارقة صارخة في توزيع الموارد، حيث تتقلص موازنات المحافظات في الوقت الذي تتضخم فيه موازنة وزارة الإدارة المحلية في المركز رأسمالياً بزيادة تناهز 55 مليون دينار، منها 30 مليوناً زيادة في مخصصات البلديات، وهي زيادات لن تُستخدم في الغالب في مشاريع رأسمالية بل ستذهب لدفع الرواتب وتسديد الالتزامات.
وأشار إلى أن الخطير ليس فقط في الأرقام، بل في الدلالات، موضحاً أن رصد مخصصات لمشاريع طرق وخدمات محددة في محافظات مثل إربد أو الطفيلة ضمن الموازنة المركزية يعني عملياً استرداد صلاحية تحديد الأولويات، وجعل المجالس المنتخبة مجرد واجهة بلا ذراع مالي، وهو ما يعتبر تأسيساً لمركزية جديدة بغطاء مالي.
ولفت إلى وجود معضلة بنيوية تمنع المجالس من استثمار كامل موازناتها، واصفاً المشكلة بأنها “مصيدة السنة المالية”، إذ تعود المخصصات غير المنفقة إلى الخزينة تلقائياً بعد 31 كانون الأول، في الوقت الذي تعيق فيه البيروقراطية القاتلة لدى الوزارات المنفذة وتأخر طرح العطاءات إنجاز المشاريع في وقتها.
غياب الأذرع الفنية والاستقلال المالي يشلّ قدرة المجالس
وأشار إلى أن المجالس ضحية لغياب الاستقلال المالي، فهي تملك القرار نظرياً، لكن التنفيذ والتواقيع رهينة إجراءات مركزية طويلة ومعقدة.
واعتبر أن مجالس المحافظات تفتقر إلى أدوات تخطيطية وفنية فعالة، مبيناً أن المجلس يمثل عقلاً تشريعياً ورقابياً، لكنه بلا أذرع فنية تتبعه مباشرة، ما يضطره للاعتماد على المجلس التنفيذي (مدراء الدوائر الحكومية) في إعداد الدراسات، والذين يتبعون وزاراتهم في عمّان.
وأضاف أن غياب وحدات هندسية وتخطيطية تابعة للمجلس مباشرة يجعل عملية اختيار المشاريع أقرب لتلبية المطالب الشعبية منها إلى التخطيط التنموي المدروس، الأمر الذي يقود لاحقاً إلى التعثر لغياب الدراسات الناضجة.
وحول المشاريع المتعثرة، قال إن المسؤولية مشتركة لكنها غير متساوية، حيث يتحمل العبء الأكبر الوزارات المركزية التي تتأخر في إعداد وثائق العطاءات وطرحها، ما يستهلك الوقت المخصص للتنفيذ.
وبيّن أن بعض المجالس ترتكب أيضاً خطأ تفتيت الموازنة إلى مشاريع مجهرية كثيرة لإرضاء القواعد الانتخابية، ما يشتت الجهد ويخلق عبئاً إدارياً يصعّب متابعة تنفيذ مئات المشاريع الصغيرة في آن واحد.
تخفيض المخصصات “أفقية” قاسية تجاهلت الفجوات التنموية بين المحافظات
وحول توزيع المخصصات بين المحافظات، أكد العزام أن الطابع المحاسبي طغى على أسلوب التخفيض، من دون مراعاة المساحة والكثافة السكانية والفجوات التنموية، إذ جاء التخفيض شبه أفقي مع نتائج متفاوتة وقاسية؛ فمحافظات ذات كثافة عالية خسرت ما يقارب ثلث موازنتها، بينما فقدت محافظات نائية ربع مخصصاتها، في حين كان من الأولى تطبيق التمييز الإيجابي لدعم المناطق الأشد احتياجاً، بدلاً من مسطرة تخفيض واحدة ساوت بين العاصمة والأطراف.
وحول التحدي الأكبر في إدارة الإنفاق الرأسمالي داخل المحافظات، فيلخصه العزام بـ تعظيم القيمة المضافة لكل دينار، من خلال إدارة أكثر تكاملية لمصادر التمويل.
وأوضح أن قطاع البيئة وإدارة النفايات يحظى بدعم كبير من الجهات المانحة، ما يجعل الاعتماد على الخزينة لتمويل مشاريعه تفويتاً لفرصة الاستفادة المثلى من أموال المنح.
ودعا إلى توجيه التمويل الدولي لمشاريع النفايات والمكبات، بما يتيح إعادة توجيه أموال الخزينة لسد الفجوة التمويلية في موازنات المحافظات ودعم مشاريع البنية التحتية الأساسية، مؤكداً أن هذا التناغم في إدارة التمويل هو المفتاح لتحقيق تنمية شاملة ومستدامة بأقل كلفة ممكنة على الموازنة العامة.






