ماجد توبه
فيما يقف جيش الاحتلال الصهيوني متردداً ومتخوفاً من اجتياح غزة حتى الآن، ويكتفي بحرب الإبادة من الجو، تملأ إسرائيل الإعلام والفضاءات الالكترونية بتحليلات وسيناريوهات ما بعد غزة! على قاعدة أن الهدف بالقضاء على حماس وتقطيع غزة وإخراجها من الخارطة متحققٌ لا محالة.
وتكاد الحرب النفسية التي يشنها الاحتلال على الجبهات العربية والدولية بترويج هذه النظرية باعتبارها “حقيقة مسلمة” تؤتي أكلها لدى الكثيرين من العامة وحتى السياسيين والمحللين، خاصة في ظل ضراوة وبشاعة ما يرتكب من مجازر إبادة وحراثة غزة بالقنابل والصواريخ، والتواطؤ الأميركي والغربي مع العدوان والعجز العربي عن إحداث أي اختراق ولو بسيطا بالتأثير بمعادلة الحرب.
وللمفارقة، فإن هذا الشعور العام عربياً وعالمياً بقدرة العدو الاسرائيلي على تحقيق أهدافه بقوته الطاغية وتحللُهِ من كل المواثيق الانسانية والدولية، تقابله حالة من عدم اليقين وشكوك حقيقية لدى المجتمع الاسرائيلي نفسه وبين نخبه، وأيضا لدى أوساط مهمة لدى الإدارة الأمريكية التي تدير الحرب مباشرة، وثمة تحذيرات وتخوفات عميقة من اقتحام “عش الدبابير” في غزة والخسائر الكبيرة المحتملة بالاشتباك المباشر مع المقاومة.
في النقاش الهاديء لما هو متوقع على جبهة الحرب ضد غزة، يمكن القول بثقة أنه رغم اختلال موازين القوى العسكرية والسياسية لصالح اسرائيل وحجم الدمار الوحشي على غزة وكلفة العدوان على مدنييها الأبرياء فثمة نصفاً مليئاً من الكأس لا يمكن لاسرائيل وأميركا والعالم القفز عنه في هذا الصراع المفتوح على كل الاحتمالات.
عندما يصبح الصراع صفرياً بين المقاومة والاحتلال، فإنّ المقاومة ستستشرس في الدفاع عن وجودها وعن حق شعبها في الوجود، والأكيد أيضا أن المقاومة لا تعمل في بيئة وحاضنة شعبية سلبية أو معادية رغم كل الخسائر الدامية، ما يعني أن ثمة “جيشاً” من الاحتياط شعبيا مستعدٌ للانخراط بحرب الشوارع والأزقة بغزة في الحرب البرية المتوقعة.
الاشتباك مع العدو الاسرائيلي بهذه القساوة ووسط مثل هذه الجرائم ليس جديدا على الشعب الفلسطيني ومقاومته، ففي حرب بيروت عام 1982 تعرضت المقاومة واللبنانيون ومخيمات اللجوء بلبنان لمجازر شبيهة ولحصار شديد شبيه، ومع ذلك استمرت الحرب لثلاثة أشهر لحقت بجيش الاحتلال فيها خسائر بشرية كبيرة وواجهت مقاومة عنيدة لم ينهها سوى أن الارض التي كانت تقاتل عليها هذه المقاومة هي أرض ليست فلسطينية بل لبنانية، وبدء انهاك الحاضنة الشعبية اللبنانينة يومها، وهذا الأمر يختلف اليوم عن غزة حيث المجابهة تدور على ارض فلسطينية وبين حاضنة شعبية لا مفر لها سوى القتال والاستبسال بالدفاع عن وجودها.
ويمكن المقارنة ايضا ما يجري اليوم بغزة مع ما جرى في الضفة الغربية المحتلة في الانتفاضة الثانية مطلع الالفية الثانية، عندما اقتحم جيش الاحتلال بكل قوته ونيرانه مدن وقرى الضفة ومخيماتها وانتهت باغتيال الشهيد ياسر عرفات. في تلك الحرب استبسل الشعب الفلسطيني، مقاومة واجهزة امنية، في مواجهة الجيش الغازي والحق به اضرارا كبيرة، وفي المحصلة لم يستطع القضاء على المقاومة التي عادت لتنهض من بين الركام كطائر العنقاء.
غزة اليوم تمتلك من اوراق القوة ما هو اكثر بكثير من حرب الانتفاضة الثانية، فلديها مقاومة محترفة وخبيرة ولديها ما هو اهم.. نصر مباغت هزت فيه الكيان الاسرائيلي من اساساته يوم 7 اكتوبر لن تمحيه كل العربدة والاجرام القادم من الجو!
لن نتحدث هنا عن مؤشرات اقتراب فتح المقاومة اللبنانية لجبهة الشمال ضد اسرائيل، وما يمكن ان تشكله من رصيد كبير في قوة غزة والشعب الفلسطيني.. فهذا يحتاج لمقال اخر.