د. ناصر حسن
تقتضي الحاجة الوقوف مليا على حالة المرحوم باذن الله الشخانبة الذي كان قد احرق نفسه في حرم احدى الجامعات الاردنية وذلك احتجاجا على مطالبة الجامعة له مبالغ مالية مستحقة عليه كأقساط دراسية. لن يكون محورالنقاش هنا للبعد الانساني في هذه المسأله لما تشهده مجتمعاتنا من تنامي للمحور المادي وتغوله على قيم الفضيلة والايثار التي دعا اليها الدين الحنيف. انما سٍأتطرق الى المسأله من بعدها الاداري والتنظيمي واستنادا الى واجب الدولة من صياغة شمولية التعليم بشقيه المدرسي والجامعي المجاني اسوة لواقع التعليم في البلدان التي حولنا.
هنا في الاردن جامعات رسمية حكومية تدعمها الدولة وجامعات خاصة يملكها افراد او شركات، تخضع هذه الجامعات بشقيها الحكومي والخاص لمجموعة من المعايير وشروط لترخيصها من قبل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي واعتماد برامجها من قبل هيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي وضمان جودتها. ولمساعدة الجامعات الرسمية على فرص التمويل الذاتي لميزانياتها السنوية والتقليل من اعتمادها على التمويل الحكومي هناك برنامج تنافسي لقبول الطلبة مخفض الرسوم وموازي مرتفع الرسوم للطلبة ممن لم يحقق المعدلات التنافسية المطروحة لبرنامج معين في جامعة رسمية معينه، الطالب الملتحق في البرنامج الموازي مرتفع الرسوم لا يتلقى اي امتيازات خاصه عن نظيره في البرنامج التنافسي فكلاهما يجلس على نفس مقاعد الدراسة ويتلقى نفس العلم من نفس الهيئة التدريسية. فالنفرض ان برنامجا ما في جامعة رسمية معينة يستوعب 200 طالب في الوضع الحالي تطرح الجامعة على سبيل المثال 100 مقعد تنافسي تحدد به معدلات الدنيا للقبول و 100 مقعد موازي ممن لم يحصل على هذه النسب حيث يدفع فيه الطالب رسوم مضاعفة، أما كان الأحرى أن تخفض معدلات القبول في ذلك البرنامج ليستوعب 200 طالب على البرنامج التنافسي. ان مفهوم التعليم الموازي يعمق فكرة التعليم الطبقي والفئوي في الاردن هذا بالاضافة الى تجفيف مصادر الدخل للجامعات الخاصة حيث اثر سلبا على اعداد الطلبة المنتسبة لهذه الجامعات في مختلف التخصصات مما حدا بعض الجامعات لإغلاق بعض برامجها والاستغناء عن اكاديمييها وهذا بدوره انعكس سلبا على اداء البعض القليل من الجامعات الخاصة وأحيانا التساهل في برامجها لاستقطاب العدد الاكبر من الطلاب.
الناظرلامتيازات اعضاء هيئة التدريس في القطاع الحكومي الجامعي وما يقابله في الجامعات الخاصة يجد الشيء العجاب فأبناء اعضاء هيئة التدريس في الجامعات الرسمية يتنافسون فيما بينهم على المقاعد الجامعية التي قد ينتسبون اليها بمعدلات هي دون الحدود الدنيا للقبولات التنافسية، وهم ايضا معفون من الاقساط الدراسية وهذا يفتقدة ابناء نظرائهم في الجامعات الخاصة، بالاضافة ان من يترقى من اعضاء هيئة التدريس الى رتب اعلى في الجامعات الرسمية يتناقص عبئه التدريسي وهو ما لا تلتزم به الجامعات الخاصة ناهيك عن سنة التفرغ العلمي والتي يحرم منها منتسبو الجامعات الخاصة والتي هي حق لمن امضى خدمة ست سنوات متواصلة. التعليم في الجامعات الخاصة هو امتداد لنظيراتها من الجامعات الرسمية فهي تحقق نفس الاهداف في تخريج افواج طلابية من ذوي الكفاءة العالية والتي تلائم احتياجات السوق وتحمل عبء عن القطاع الحكومي الرسمي فالقوانين والتشريعات الحكومية تشمل الجهتين من التنظيم والاعتماد وواجب التطبيق في القرارات.
أن قصة الشخانبة تحرك في جنباتها حال كثير من الاسر التي لا تجد المال الكافي لتعليم ابنائها فأصبح تعليم الابناء يثقل كاهل الاسرة فهو احيان كشبح مطل يؤرق راحتها. كم هي قصص المميزين والمبدعين الذين لا يجدون التمويل الكافي للاتحاق بجامعاتهم، وكم تخسر مجتمعاتنا من عدم تبني هؤلاء الفئة المميزة. أما آن لنا في الاردن ان نحذو حذو الامم المتقدمة في طرح برامجنا التعليمية تتساوى فيها فرص ابن المسؤؤل وابن المواطن العادي دون المحسوبيات الفئوية والجهوية عبر قروض ميسرة طويلة الامد يتبناها القطاع الحكومي والخاص يشمل جميع منتسبي التعليم العالي دونما استثناء مما يقلل على كاهل العائلات ثقل التفكير بشبح التمويل الجامعي لأفراد الاسرة.
أكاديمي وباحث
Naser_hasan@yahoo.com