منذ بداية عمل الحكومة الجديدة، يمكن أن يسجل لها أن رؤيتها كانت واضحة فيما يتعلق بإجراءات الحظر والمدارس والجامعات، إذ أعلنت أن ذلك سيستمر حتى نهاية العام الحالي، ما ساعد الناس على أن يتعاملوا مع هذه الأحداث وفق معطيات ثابتة.
العام الدراسي الماضي شهد إرباكا شديدا في العملية التعليمية، خصوصا لدى طلبة الثانوية العامة، وذلك جراء جائحة كورونا. الأخطاء التي ارتكبت ربما يكون لها ما يبررها كونها تجربة جديدة يمر بها العالم أجمع، وأي قرار يتخذ بشأنها عبارة عن اجتهاد يحتمل الخطأ والصواب.
لكن هذا الاجتهاد لم يعد مقبولا اليوم، خصوصا عندما يتعلق بطلبة التوجيهي الذين، برفقة طلبة الصفوف الأولى، هم الأكثر تضررا بقرار تعليق الدوام بالمدارس حتى نهاية الفصل الدراسي الأول، وهو قرار قابل للتجديد بحسب الحالة الوبائية.
حتى هذه اللحظة لم تعلن وزارة التربية والتعليم خطتها ورؤيتها لامتحان الثانوية العامة، وهذا يربك الطلبة وذويهم، فهو يشكل ضغطا إضافيا عليهم بشأن طبيعة الامتحان الذي سيتقدمون له، وإن كان هناك توجه لحذف أجزاء من المنهاج أم لا نية باتجاه ذلك.
المشكلة لا تكمن هنا فقط، وإنما بالعالم الخفي الذي يدور في فلك التوجيهي، والذي من المفترض أن يكون وزير التربية والتعليم مدركا تماما لطبيعته، وأن تراعي القرارات التي تتخذ جميع الجوانب المتعلقة به.
من شأن إغلاق المراكز الثقافية بعد تعليق الدوام الرسمي بالمدارس، على سبيل المثال، أن يشدد الخناق على طلبة الثانوية العامة، خصوصا أمام عشرات الآلاف من الطلبة الذين سيتقدمون للامتحان التكميلي في الشهر الأخير من العام الحالي، وهؤلاء لا يحق لهم التسجيل في منصة “درسك” لمتابعة دروسهم، فهم بنظر الوزارة قد استوفوا حقهم العام الماضي. لا أعلم كيف يستوفي طالب حقه في التعليم وهو ما يزال يرتوي من نبع العلم؟!.
المراكز الثقافية، التي لا تملك أي قدرات لأن تقدم خدمة التعليم عن بعد، كانت ملاذا حقيقيا للطلبة ذوي الدخل المتوسط والمحدود، ممن لم يتمكن ذووهم من توفير مدرسين خصوصيين لهم، وإن سأل سائل “لماذا المراكز الثقافية والمعلم الخصوصي ما دامت الوزارة توفر منصة لمساعدة الطلبة؟”، أقول إنها قد تفي بالغرض لطلبة الصفوف المتوسطة حتى الصف الحادي عشر فقط، لكن بالنسبة للتوجيهي والصفوف الأولى، فإن ذلك غير ممكن.
هل يعلم وزير التربية والتعليم أن المحتوى الذي يقدم للطلبة على منصة “درسك” يحتاج إلى تقييم بشكل دوري، مع ضرورة استطلاع آراء الطلبة وذويهم بمدى جودة هذا المحتوى، وتحقيقه للفائدة العلمية المرجوة، وإن كان المنهاج يشرح بطريقة تراعي جميع مستويات الطلبة؟.
هل يعلم وزير التربية أنه بإغلاق المراكز الثقافية بالتزامن مع تعليق الدوام المدرسي، بدلا من تشديد إجراءات الرقابة عليها، ساهم بشكل كبير بانتشار “السوق السوداء”، إذ وصلت قيمة حصة الخصوصي الواحدة (مدتها ساعة ونصف) إلى 50 دينارا، نظرا لزيادة الطلب على المدرسين الخصوصيين، ما ترك الناس فريسة لمن يريد استثمار هذه الحالة من بعض المدرسين!.
هل يعلم وزير التربية أن عددا من المعلمين استأجروا منازل ومكاتب من أجل تجهيزها لتدريس المنهاج للطلبة كبديل عن المراكز الثقافية، دون أن يكون هناك حسيب أو رقيب، وهذا من شأنه أن يزيد من حجم الاختلاط بين الطلبة وبالتالي انتشار فيروس كورونا؟!.
هل يدرك وزير التربية جيدا حجم المعاناة التي يعانيها الطلبة في ظل هذا الغموض الذي يكتنف دراستهم في سنة يفترض أن تكون بمثابة المفتاح الرئيس لحياتهم المستقبلية لما بعد الثانوية العامة؟.
لا ضير في بعض الوضوح من قبل وزارة التربية والتعليم، فكورونا وفق الدراسات العالمية سترافق بني البشر في جميع أنحاء العالم في العام 2021 على أقل تقدير، لذلك نحتاج شفافية أكبر من الوزارة.