صدى الشعب – كتب : د. عايش النوايسة / خبير تربوي
أَحْدَثَتِ التَّطَوُّراتُ التِّقْنِيَّةُ وَالرَّقْمِيَّةُ قَفْزَةً هَائِلَةً فِي مَجَالِ الْأَلْعَابِ الْإِلِكْتِرُونِيَّةِ، الَّتِي بَاتَتْ تَنْتَشِرُ عَلَى نِطَاقٍ وَاسِعٍ وَتُسَهِّلُ عَمَلِيَّةَ الْحُصُولِ عَلَيْهَا وَالْوُصُولِ إِلَيْهَا. انْعَكَسَ هَذَا الِانْتِشَارُ عَلَى اسْتِخْدَامِ الْأَطْفَالِ لَهَا بِشَكْلٍ مُكَثَّفٍ، غَالِبًا دُونَ رَقَابَةٍ أَوْ تَوْجِيهٍ. وَقَدْ عَمَدَتْ بَعْضُ الشَّرِكَاتِ الْمُطَوِّرَةِ لِهَذِهِ الْأَلْعَابِ إِلَى رَبْطِ الْفَوْزِ بِهَا بِحَوَافِزَ مَالِيَّةٍ مُجْزِيَةٍ، مِمَّا شَكَّلَ دَافِعًا قَوِيًّا لِلصِّغَارِ وَالْكِبَارِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ لِاسْتِخْدَامِهَا، وَمِنْ أَبْرَزِ الْأَمْثِلَةِ عَلَى ذَلِكَ لُعْبَةُ “بَبْجِي” الَّتِي يَبْلُغُ عَدَدُ لَاعِبِيهَا الْمَلَايِينَ.
لَا شَكَّ أَنَّ الِاسْتِخْدَامَ الْمُعْتَدِلَ وَالْمُوَجَّهَ تَرْبَوِيًّا لِهَذِهِ الْأَلْعَابِ قَدْ يَكُونُ مُفِيدًا فِي تَنْمِيَةِ الْمَهَارَاتِ وَالْقُدُرَاتِ، وَتَعْزِيزِ التَّرْكِيزِ وَالتَّحْفِيزِ، وَتَطْوِيرِ الْمَهَارَاتِ الْعَقْلِيَّةِ وَالْجَسَدِيَّةِ. وَمَعَ ذَلِكَ، تَرَكَ الِاسْتِخْدَامُ الْمُفْرِطُ لِهَذِهِ الْأَلْعَابِ أَثَرًا سَلْبِيًّا كَبِيرًا عَلَى سُلُوكِ الْأَطْفَالِ، مِنْ حَيْثُ الْعُزْلَةُ وَالْإِدْمَانُ وَالتَّأْثِيرُ عَلَى السَّلَامَةِ وَالصِّحَّةِ النَّفْسِيَّةِ. فَقَدْ أَثْبَتَتِ الدِّرَاسَاتُ أَنَّ الِاكْتِئَابَ النَّاتِجَ عَنِ الْأَلْعَابِ يُؤَدِّي إِلَى ارْتِفَاعِ مُسْتَوَى الْقَلَقِ، مِمَّا يُؤَثِّرُ بِشَكْلٍ مُبَاشِرٍ عَلَى سُلُوكِيَّاتِ الْأَطْفَالِ وَتَصَرُّفَاتِهِمْ. كَمَا تُؤَدِّي إِلَى مَا يُعْرَفُ بِـالرَّهَابِ الِاجْتِمَاعِيِّ الَّذِي يَنْجُمُ عَنْهُ ضَعْفُ الثِّقَةِ بِالنَّفْسِ وَالْخَوْفُ مِنْ مُوَاجَهَةِ أَيِّ حَدَثٍ اجْتِمَاعِيٍّ.
غَالِبًا مَا تُؤَثِّرُ السَّيْطَرَةُ النَّفْسِيَّةُ وَالذِّهْنِيَّةُ لِهَذِهِ الْأَلْعَابِ عَلَى الْأَطْفَالِ، فَتُوَجِّهَهُمْ بِنَاءً عَلَى الْأُسُسِ النَّفْسِيَّةِ الَّتِي بُنِيَتْ عَلَيْهَا، وَمِنْ ذَلِكَ التَّوَاصُلُ الْمَكَانِيُّ وَالزَّمَانِيُّ؛ فَعَلَى غِرَارِ مَا حَدَثَ مَعَ الطِّفْلِ الَّذِي غَادَرَ مِنَ الزَّرْقَاءِ إِلَى الْجَفْرِ قَبْلَ فَتْرَةٍ، تَتَكَرَّرُ الْأَحْدَاثُ السَّلْبِيَّةُ الْمُرْتَبِطَةُ بِمُتَطَلَّبَاتِ هَذِهِ الْأَلْعَابِ، وَقَدْ تُؤَدِّي إِلَى تَهْدِيدِ حَيَاةِ الْأَطْفَالِ. فَقَدْ شَهِدْنَا حَالَاتِ انْتِحَارٍ نَتَجَتْ عَنْ مُمَارَسَةِ هَذِهِ الْأَلْعَابِ وَالتَّقْلِيدِ الْأَعْمَى الْمُرْتَبِطِ بِهَا.
إِنَّ مِنْ أَهَمِّ الْمَخَاطِرِ السَّلْبِيَّةِ لِلْأَلْعَابِ الْإِلِكْتِرُونِيَّةِ وَانْشِغَالِ الْأَطْفَالِ بِهَا، خَاصَّةً خِلَالَ الْعُطْلَةِ الصَّيْفِيَّةِ، أَنَّهَا تُنَمِّي لَدَيْهِمُ الْعُزْلَةَ وَضَعْفَ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ، وَتُغَيِّرُ الْمَنْظُورَ الثَّقَافِيَّ وَالنَّظْرَةَ لِلْأَهْلِ وَالْمُجْتَمَعِ. ذَلِكَ أَنَّ أَغْلَبَ هَذِهِ الْأَلْعَابِ أَجْنَبِيَّةٌ وَغَرِيبَةٌ عَنْ قِيَمِ وَمُعْتَقَدَاتِ الْمُجْتَمَعِ وَثَقَافَتِهِ. لَقَدْ أَثَّرَتِ الْأَلْعَابُ الْإِلِكْتِرُونِيَّةُ عَلَى الْمُجْتَمَعَاتِ الَّتِي تَنْتَشِرُ فِيهَا بِشَكْلٍ وَاسِعٍ؛ فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ نِسْبَةَ جَرَائِمِ الْقَتْلِ وَالسَّرِقَةِ قَدِ ارْتَفَعَتْ بِشَكْلٍ مَلْحُوظٍ، وَكَذَلِكَ الْجَرَائِمُ الْأَخْلَاقِيَّةُ كَالِاعْتِدَاءِ وَالزِّنَا، وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ هُوَ أَلْعَابُ الْعُنْفِ الَّتِي يُمَارِسُهَا الْأَفْرَادُ. كَمَا ثَبَتَ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْعَابَ تُؤَثِّرُ أَيْضًا عَلَى الصِّحَّةِ الْعَامَّةِ لِلطِّفْلِ عَلَى الْمَدَى الْبَعِيدِ؛ فَهِيَ قَدْ تُؤَدِّي إِلَى إِصَابَتِهِ بِالْتِهَابَاتِ الْمَفَاصِلِ، وَقِلَّةِ الْمُرُونَةِ الْحَرَكِيَّةِ، وَالِاضْطِرَابَاتِ النَّفْسِيَّةِ. إِضَافَةً إِلَى ذَلِكَ، يُكَوِّنُ اللَّعْبُ لِفَتَرَاتٍ طَوِيلَةٍ لَدَى الطِّفْلِ سُلُوكًا إِدْمَانِيًّا.
كُلُّ ذَلِكَ يَتَطَلَّبُ رَقَابَةً صَارِمَةً مِنَ الْأَهْلِ عَلَى نَوْعِيَّةِ الْأَلْعَابِ وَالزَّمَنِ الَّذِي يَقْضِيهِ الْأَبْنَاءُ عَلَيْهَا، وَلَا بُدَّ مِنْ تَوْعِيَتِهِمْ بِالْمَخَاطِرِ النَّاتِجَةِ عَنِ الِاسْتِخْدَامِ الْمُفْرِطِ لَهَا. وَعَلَى الْجِهَاتِ الْحُكُومِيَّةِ فَرْضُ رَقَابَةٍ صَارِمَةٍ عَلَى مُحْتَوَى هَذِهِ الْأَلْعَابِ، وَضَرُورَةُ الْفَلْتَرَةِ الْمُسْتَمِرَّةِ لِمَا يُطْرَحُ مِنْهَا، وَحَجْبُ الْبَعْضِ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى الضَّرَرِ النَّفْسِيِّ وَالِاجْتِمَاعِيِّ عَلَى الْأَطْفَالِ.





