صدى الشعب – كتبت سميرة محمد الخالدي
في الخامس والعشرين من أيار، لا تكتفي الشمس بالشروق… بل تُطلّ على الأردن مرتدية ثوب المجد ورافعة راية السيادة التي غزلها الأجداد بخيوط من كفاحٍ ودمٍ ووصايا منقوشة على جدران الصبر في هذا اليوم لا تُقرع الأجراس احتفالًا بذكرى مضت بل توقظ الأرواح لتتذكر أن الاستقلال ليس تاريخًا نحتفل به، بل روحًا نسكنها ويسكننا.
الاستقلال في الأردن لم يكن صافرة نهاية، بل نبض بداية… لم يكن ورقة تُوقَّع بل بذرة زُرعت في أرض العزم وسُقيت بعرق الرجال الذين رفضوا أن تبقى الأرض خاضعة لغير إرادتها. فنهض الوطن لا على الإسمنت والحجارة فقط، بل على الإيمان بأن الإنسان الأردني إذا قال “أريد” فعل.
ومن تلك اللحظة، لم يعد الوطن مجرد خريطة تُحدّد بالحدود، بل كيانٌ حيّ ينمو يتنفس ويصعد سلّم التقدّم درجة درجة تأسست الدولة الحديثة لا على قوانين فحسب بل على حلمٍ ممتد يشبه جديلة طويلة من نور تُضفرها الأمهات لأبنائهن في الصباح، وهن يقلن: “اصنعوا مجدكم بأنفسكم.”
وفي طريقه إلى المئوية الثانية، لم يتوقف الأردن ليسأل: هل الطريق ممهّد؟ بل مضى كما تمضي القوافل في الصحراء متسلحة بالبوصلة والإيمان وكان الملك عبد الله الثاني هو ربان السفينة يرسم بإصبعه على خرائط الحاضر معالم مستقبل لا تكلّمه الأماني بل تصنعه الإرادات.
إن مشروع التحديث اليوم ليس قرارًا سياسيًا عابرًا بل هو نهج حياة وشعلةٌ في يد الحالمين. ففي السياسة يرسم الأردنيون فجرًا جديدًا للمشاركة والتمثيل، وفي الاقتصاد يُعاد تشكيل الطموح على هيئة فرص لا تعرف الكسل، وفي الإدارة تُزال الغبار عن الآليات القديمة ليشرق جهاز دولة أكثر كفاءة، أكثر مرونة، وأكثر عدلًا.
وفي ذكرى الاستقلال لا يليق بنا أن نصفق للماضي فقط، بل أن نبني فوقه أن نحمل المشعل لا لننظر إليه، بل لنضيء به دروبًا جديدة. إنها لحظة صدق مع الذات هل نحن كما أرادنا الآباء الذين حملوا البنادق يوماً ليُزيحوا ظلّ الانتداب عن جبين الشمس
يا أبناء الأردن الاستقلال ليس جدارًا نعلّق عليه الصور، بل نافذة نطلّ منها على الغد لا تنتظروا المثالية بل اصنعوا المجد وسط الضجيج وسط التحديات كما تُزهر الزهور في الشقوق الصخرية بلا ضوء كافٍ، وبلا مطر… لكنها تُزهر
وفي العيد التاسع والسبعين نقف كما وقف الذين سبقونا، لا لنحتفل، بل لنعاهد
نعاهد الأرض أننا سنظل أوفياء لحكايتها ولجذورها ولأحلامها نقول للوطن كل ما نفعله اليوم هو لأجلك
لأجل أن تبقى كما أردناك دومًا وطنًا لا ينحني، ولا يشيخ وطنًا إذا اشتدّت العواصف ازداد صلابةً وضياءً.





