لنتعايش مع كورونا

سادت خيبة الأمل مجددا، خلال الأيام الماضية، بعد ارتفاع مطرد لأعداد الإصابات بكورونا، والتي يرى بعض الخبراء أنها قد تكون بداية للموجة الثانية من الوباء، فيما يرى آخرون أنها بسبب الوافد الجديد من كورونا البريطاني المتحور سريع الانتشار. والأسباب قد تطول. لكن الثابت أن أرقام الإصابات مترشحة للزيادة، للأسف، في مقبل الأيام، ما يوجب التفكير بإجراءات رادعة لتفاقم الأعداد، وهو ما تفعله الدولة وأجهزتها على مدار الساعة، حماية للمجتمع أولا، وللاقتصاد ثانيا.
ورغم كل ما قد يخطر ببال المرء من إجراءات وتدابير من حظر ليوم الجمعة، وإغلاقات مبرمجة لبعض القطاعات، وتقليص لساعات التجول وغير ذلك، يبقى الفرد، وما يتخذه من إجراءات وقائية شخصية، العامل الأساس في حماية نفسه، بشكل خاص، والمجتمع، بشكل عام. وهذا بيت القصيد.
فلا يعقل أن يرتفع عدد الإصابات بهذا الشكل، ويبقى البعض يعيش المغامرة، التي تصل حد المقامرة بحياته وحياة الآخرين. فالمطلوب فقط ارتداء الكمامة بشكل صحي في أماكن التجمعات. هذا مع الأخذ، بعين الفعل لا القول، إجراءات التباعد الاجتماعي، والتعقيم الشخصي والمكاني، والعزل والحجر المنزلي الجاد في حالة الإصابة، وفي النهاية التسجيل لأخذ المطعوم.
ما يدعو للقلق أن هذه الأمور، على بساطتها، تشكل مثار عدم اهتمام لدى البعض أو سخرية أو تشكيك، وهذا كله بسبب عقلية الاسترخاء واللهو واللامبالاة في التعامل مع تطورات الفيروس، الذي أثبت قدرته على التمحور، والضرب بيد من حديد، بينما البعض لا يعلم كيف يتمحور ويحمي نفسه ومحيطه!
والأسوأ أن بعض العامة ينصبون أنفسهم خبراء صحة عند الحديث عن فيروس كورونا، وما ينفع في علاجه وما لا ينفع، ويتحفوننا بوصفات الأعشاب الطبية، القادرة وفق فهمهم الخاطئ لمنطق الأشياء، على العلاج. والأخطر محاولة إقناع الناس بأن هذه الأعشاب خير من الوقاية وأخذ المطعوم!
والسؤال: لماذا يصل البعض إلى هذا الحد من عدم الاكتراث. أهو الجهل، أم فقدان الأمل بوجود علاج فعال لكورونا، أم الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تولد اليأس والإحباط؟
المشكلة أن الجميع يعلم أن تفاقم الإصابات يعني، وببساطة، عودة الحظر، وإغلاق بعض القطاعات، وتقليص ساعات التنقل. وهذا بحد ذاته سيدخلنا في متاهة التعثرات الاقتصادية، وأثر ذلك على قدرة المؤسسات والشركات الانتاجية، وما يخلفه من تخفيض للرواتب وغير ذلك من الإجراءات، التي تسعى الدولة إلى تفاديها، حفاظا على دوران عجلة الاقتصاد والحياة.
كورونا سيرحل عاجلا أم آجلا، لكن النجاح وقتها سيقاس في قدرة الشعوب على تخفيض خسائرها البشرية والاقتصادية، والنهوض مجددا. فهل نكون ممن يضرب بهم المثل نجاحا؟
لعل الإجابة تبقى لدينا، أفرادا في المجتمع، في المقام الأول، وفي قدرتنا على ممارسة روح المسؤولية والانضباطية والجدية. فالحياة في النهاية قرار. وعليه، ليكن قرارنا، كما قال رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، مؤخرا، أن “نتعايش مع كورونا على المدى الطويل، مثلما نفعل تماما مع الإنفلونزا”.

أخبار أخرى