كتب. الدكتور / محمود الرجبي
يشكل العُنْف الجامعي أحد أسباب القلق فِي الـمُجْتَمَع الأردني، وَبَعْض المشاهد المتناقلة من خِلال منصات التواصل الاجتماعي لمشاجرات جامعية تشكل صدمة لَنَا من حَيْثُ مُشَارَكَة عدد كَبِير من الطَلَبَة فِيهِا، واستخدام أدوات حادة، أو عصي، أوْ حِجارَة، أو ما شابه.
تأتي هَذِهِ الصدمات من عدة جوانب، الجانب الأول هُوَ توقعات الـمُجْتَمَع من الطالب الجامعي أن يَكُون راقياً، وَحَضَاريًا، ويحل مُشْكِلاته بالحوار، فَمَنْ المعروف أن اللجوء إلى العُنْف والضرب مرتبط بقلة الوعي، وتدني الـمُسْتَوَى الاجتماعي، وَفِي العادة فإن تخلف الـمُجْتَمَعات يبرز بَعْض الظواهر ومِن ضمنها الضرب، وَالعُنْف، واستخدام الأسلحة البيضاء، وهَذَا يفترض – نَظَرياً – عَلَى الأقل ألا يَكُون داخل أي حرم جامعي.
اختلف العُلَمَاء فِي تَحْدِيد أسباب العُنْف الجامعي، وَكَذلِكَ فإن التحليلات الَّتِي تناولت هَذِهِ الظاهرة أردنيًا تعزوها إلى عدد من الأسباب، من ضمنها التحزبات العائلية والعشائرية والمناطقية، وَطَرِيقَة القبول الجامعي الَّتِي لا تراعي فِي بَعْض الأحيان معدل الطالب، إضافة إلى ضعف الـمُشَارَكَة السياسية لِلْطَلبَةِ فِي الأحزاب، وعدم وُجُود وعي فكري لَدَيهم يجعلهم أكثر قُدْرَة عَلَى حل مشكلاتهم بالعقل، والحوار، وَبَعَيدًا عَن منطق القوة.
فِي الجانب الإيجابي فإن عدد المنخرطين فِي هَذِهِ المشاجرات قَليل بِالنَّسْبَةِ للعدد الكلي لِلْطَلبَةِ فِي الجامِعات، ولا يقبل كثير من الطَلَبَة الجامعيين اللجوء إلى العُنْف فِي حل مشكلاتهم، وَلَكِن فِي الـمُقَابِل فشلت بَعْض الجامِعات فِي كبح جماح مثل هَذَا العُنْف، وغني عَن التَّعْريف أن العقاب الحازم، وعدم الرضوخ للواسطات، يقلل هَذِهِ الظاهرة، وَفِي الـمُقَابِل فإن نجاة بَعْض الطَلَبَة الممارسين لِلْعُنْفِ الجامعي من العقاب يؤدي إلى تكرار مثل هَذِهِ المشاهد، وعدم ارتداع أمثال هَؤلاء عَن القيام بمثل هَذِهِ الأعمال مُجددًا.
يَجِبُ دعم إدارات الجامِعات بِمُخْتَلَفِ الطرق لمحاربة هَذِهِ الظاهرة بِحَيْثُ لا يَتِمّ التسامح مَع أي طالب يلجأ إلى العُنْف الجامعي، وَفِي الوَقْت نَفْسه يَجِبُ الاستمرار بخطة الدَّوْلَة الأردنية بترسيخ العَمَل الحزبي بَيْنَ الشباب، فَهذا الأمر يُمْكِنُ أن يرقي من طَرِيقَة تفكير الطالب، ويجعل أفقه أوسع، وَيُخْرِجْهُ من دائرته الضيقة، ويقلل من عنفه، وَفِي الجانب الآخر لا بُدَّ من وُجُود برامج تثقيفية، ومسابقات، ونشاطات إضافية فِي الجامعات تخرج أفضل ما عِنْدَ الطُّلاب، وَتُعْطِي قدوة لِلْطَلبَةِ الَّذِينَ لا إنجاز فِي حياتهم سوى عضلاتهم، أوْ الالتجاء للعائلة أوْ العشيرة أوْ الـمَنْطِقَة من أجل التعبير عَن إنجازات وهمية لا تقدم ولا تؤخر فِي الْحَياة.
العُنْف الجامعي لا يليق ببلدنا، ولا بشعبنا ولا بسمعتنا، ومِن الـمُهِم أن نحاربه جميعًا، بالعمل الفكري العميق من جهة، وبتطبيق القَانُون عَلَى المخالفين دونَ تسامح، أو رضوخ لأيّ ضغوطات لنرسخ فِي أذهان الجَمِيع الصُّورَة الحقيقية لِلْجامِعَةِ من ناحية الإنجازات العِلْميِّة، والأكاديمية، والمجتمعية.