الخزاعي: ثقافة تقديم الشكاوي غائبة رغم وجود قانون الجرائم الإلكترونية صلاح: زيادة وعي الأهالي بمخاطر العنف الرقمي ضرورة ملحّة دور المؤسسات التعليمية والمجتمع المدني حاسم في حماية الأطفال من الإساءة الرقمية
صدى الشعب – سليمان أبو خرمة
أكد خبراء مختصون في مجالات علم الاجتماع والنفس أن الإساءة الرقمية أصبحت من التحديات الكبرى التي تواجه الأطفال في العالم الرقمي، مشيرين إلى أن الفئات الأكثر تعرضًا لهذه الإساءات تشمل الأطفال وكبار السن وذوي الإعاقة.
وشددوا على أهمية التوعية بالأساليب الصحيحة لاستخدام الإنترنت، مؤكدين أن دور الأهل في حماية أطفالهم من الإساءة الرقمية يعد أمرًا حيويًا.
وأشاروا إلى ضرورة تعزيز التعاون بين المؤسسات الحكومية، التعليمية، والمجتمع المدني في نشر الوعي حول مخاطر العنف الرقمي وضرورة تطبيق قوانين فعّالة لحماية الأطفال.
وأظهرت دراسة أجرتها مؤسسة إنقاذ الطفل في الاردن أن 15.8 % من الأطفال بين 10 و17 عامًا تعرضوا لأحد أشكال الإساءة الرقمية، وقد برزت تحديات التنمر، وقرصنة الحسابات الرقمية، والابتزاز كأكثر المشكلات التي يواجهها الأطفال في العالم الرقمي.
وكشفت الدراسة، عن فجوة كبيرة في وعي الأهالي حول تعرض أطفالهم للعنف الرقمي، حيث إن نحو 75 % من أولياء الأمور الذين أفاد أبناؤهم بتعرضهم للعنف الرقمي لم يكونوا على دراية بذلك.
كما بينت الدراسة تدنيًا باستخدام تطبيقات الرقابة الوالدية على الإنترنت، حيث أفاد 9 % فقط من الأهالي باستخدامها، بينما اعتمدت الغالبية على توعية أبنائهم كوسيلة لحمايتهم رقميًا.
الى ذلك أكد أستاذ علم الاجتماع الدكتور حسين الخزاعي، أن الفئات الأكثر تعرضاً للإساءة الرقمية هي الأطفال وكبار السن وذوو الإعاقة. وأوضح أن هذه الفئات تكون أكثر عرضة لهذه الإساءات بسبب ظروفهم الصحية أو عدم قدرتهم على متابعة الأحداث أو اتخاذ ردود فعل مناسبة تجاه المواقف الرقمية.
وأشار الخزاعي إلى أن الأشخاص في هذه الفئات غالباً ما يفتقرون إلى الأدوات أو الوعي الكافي لحماية أنفسهم في الفضاء الرقمي، مما يجعلهم هدفاً سهلاً للمعتدين الرقميين.
وأشار إلى أن للإساءة الرقمية آثار نفسية كبيرة على الأطفال، أبرزها القلق والتوتر والخوف، مضيفا أنه في بعض الحالات قد تؤدي هذه الإساءة إلى مشكلات صحية مثل التبول اللاإرادي، بالإضافة إلى تأثيرها على سلوك الأطفال، حيث يصبحون غير قادرين على أداء مهامهم اليومية سواء كانت دراسية أو منزلية.
وأضاف أن الفتيات، بشكل خاص، يعدن من الفئات الأكثر عرضة للإساءة الرقمية، مثل الابتزاز والتهديد، مشيراً إلى أن هذه التهديدات تزداد بشكل ملحوظ بين الأطفال في ظل غياب التوعية الكافية.
وشدد على أن التوعية تعتبر من أهم الوسائل لحماية الأطفال، حيث يجب أن تبدأ من الأهل، موضحا أن الأهل يجب أن يوجهوا أطفالهم إلى عدم قضاء فترات طويلة على مواقع التواصل الاجتماعي أو استخدام الهواتف المحمولة بشكل مفرط، بالإضافة الى توعية الأطفال بعدم قبول الصداقات العشوائية عبر الإنترنت.
وأشار إلى أهمية أن يكون هناك تواصل صريح وودود بين الأهل وأطفالهم، حتى يشعر الأطفال بالأمان في حال تعرضهم للإساءة الرقمية، مما يسهل عليهم إخبار أهلهم للحصول على الدعم والحماية اللازمة.
وأكد على أن جميع المؤسسات في المملكة، سواء كانت حكومية أو خاصة، تتحمل مسؤولية كبيرة في عملية التوعية، سواء للأطفال أو للمجتمع بشكل عام.
وأشار إلى أن الجامعات، والوزارات المعنية مثل وزارة الشباب ووزارة التربية والتعليم، إضافة إلى المؤسسات والجمعيات الخيرية والنقابات، يجب أن تلعب دوراً مهماً في نشر الوعي والإرشاد حول مخاطر الإساءة الرقمية وكيفية الوقاية منها.
وأوضح أن هذه الجهود الجماعية تساهم بشكل فعال في حماية الأفراد، خاصة الأطفال، من التأثيرات السلبية للعالم الرقمي وتعزز بيئة آمنة للجيل القادم.
وأشار إلى أن الأردن يمتلك قانوناً خاصاً بالجرائم الإلكترونية، لكن المشكلة تكمن في غياب ثقافة تقديم الشكاوى، موضحا أن الكثير من الأشخاص يتجنبون تقديم الشكاوى بسبب خوفهم من الملاحقات القانونية أو بسبب رغبتهم في تجنب المتاعب المتعلقة بالعملية القانونية.
وأضاف أن هذا التردد في تقديم الشكاوى يجعل معظم الأفراد، للأسف، يلتزمون الصمت عند تعرضهم لأي مواقف سلبية أو إساءة رقمية، مما يعوق تحقيق العدالة وحماية الأفراد من المخاطر الرقمية.
وأشار إلى أهمية إشغال الأبناء والشباب في البيت أو في أنشطة أخرى مفيدة صحياً واجتماعياً واقتصادياً، بدلاً من قضاء وقت طويل على مواقع التواصل الاجتماعي، موضحاً أن هذه الأنشطة تساعد على تطوير مهاراتهم الشخصية وتزيد من تفاعلهم الإيجابي مع محيطهم، مما يساهم في تعزيز صحتهم النفسية والبدنية ويعود عليهم بفوائد اجتماعية واقتصادية.
من جهتها أوضحت الأخصائية النفسية نورة صلاح أن هناك عدة عوامل اجتماعية تؤدي إلى زيادة نسبة الإساءة الرقمية للأطفال، يأتي في مقدمتها الانتشار الواسع للتكنولوجيا بين أيديهم، موكدة أن الاستخدام المفرط للأجهزة الإلكترونية يجعل الأطفال عرضة لهذه الإساءة.
وأضافت نورة أن غياب الرقابة الأبوية يلعب دوراً كبيراً في تفاقم المشكلة، حيث ينشغل الأهل عن متابعة أطفالهم، ويتركون لهم الأجهزة لفترات طويلة دون توجيه أو متابعة، مشيرة الى ان هذا الإهمال يجعل الأطفال أكثر عرضة للمخاطر المرتبطة بالتكنولوجيا.
كما أشارت إلى أن الإساءة الرقمية تشمل التنمر الإلكتروني، الذي ينتشر بشكل واسع في غياب الضوابط والإجراءات التي تحمي الأطفال.
وأكدت أن جزءاً كبيراً من المحتوى المتوفر على وسائل التواصل الاجتماعي مليء بمشاهد العنف، ما يعزز تعرض الأطفال للإيذاء الرقمي ويؤثر سلباً على صحتهم النفسية والاجتماعية.
وأوضحت أن الإساءة الرقمية لها تأثيرات سلبية كبيرة على الصحة النفسية والاجتماعية للأطفال، مشيرة إلى أن هذه الإساءة تجعل الأطفال أكثر عرضة للقلق والاكتئاب، كما تدفعهم نحو العزلة الاجتماعية نتيجة الخوف من التفاعل مع الآخرين خشية التعرض للإساءة مرة أخرى.
وأضافت أن هذا النوع من العزلة يؤثر بشكل مباشر على ثقة الأطفال بأنفسهم، حيث يؤدي إلى تدني احترامهم لذواتهم، مما ينعكس سلباً على أدائهم الأكاديمي ومستوى تحصيلهم الدراسي.
وأشارت إلى أن هناك عدة أنواع من الإساءة الرقمية التي يمكن أن يتعرض لها الأطفال، أبرزها التنمر الإلكتروني، الذي يشمل السخرية والإهانة عبر الإنترنت.
وأضافت أن النوع الآخر من الإساءة الرقمية هو التحرش الإلكتروني، الذي قد يؤدي إلى تعرض الأطفال للابتزاز الرقمي، مما يشكل تهديداً مباشراً لسلامتهم النفسية والاجتماعية.
وأكدت أن هناك عوامل اجتماعية تساهم بشكل كبير في ظهور مشكلات الإساءة الرقمية بين الأطفال، موضحة أن الفقر والبطالة وقلة الوعي من أبرز هذه العوامل، حيث تؤدي إلى ضعف الرقابة على استخدام الأطفال للتكنولوجيا.
وأضافت أن التفكك الأسري والعيش في بيئات اجتماعية غير مستقرة يزيدان من تعرض الأطفال لهذه المشكلات، حيث تفتقر هذه البيئات إلى الدعم العاطفي والرقابة اللازمة لحماية الأطفال من المخاطر الرقمية.
وأكدت على الدور الكبير الذي يلعبه الأهالي في توعية الأطفال وحمايتهم من مخاطر الإساءة الرقمية، مشيرة إلى أن ذلك يبدأ من خلال التواصل المفتوح مع الأطفال وتقديم الدعم والحب غير المشروط، مما يعزز شعورهم بالأمان والثقة.
وأضافت أن الأهالي يجب أن يحرصوا على توعية أطفالهم بكيفية استخدام الإنترنت بطريقة صحيحة وآمنة، بالإضافة إلى متابعة المواقع والمحتوى الذي يتعرضون له.
وشددت على أهمية الرقابة الفعّالة التي توازن بين الحماية والاستقلالية، مع تقديم الدعم العاطفي المستمر لتعزيز شعور الأطفال بالطمأنينة والحماية.
وقالت إن الحب غير المشروط والدعم العاطفي هما جزء أساسي من بناء بيئة آمنة تسهم في حماية الأطفال من التأثيرات السلبية للعالم الرقمي.
وأكدت أن تحسين وعي الأهالي بمخاطر العنف الرقمي وتأثيره على الأطفال يمكن تحقيقه من خلال تنظيم ورش عمل وندوات تسلط الضوء على هذه المخاطر.
وأشارت إلى أهمية تزويد الأهالي بمصادر تعليمية متنوعة مثل الكتب والمقالات والفيديوهات والمحاضرات التي تقدم إرشادات حول التعامل مع هذه الظاهرة.
وأضافت أن التعاون مع المدارس يلعب دوراً حيوياً في توعية الأطفال أنفسهم، حيث يمكن تعزيز فهمهم لأهمية استخدام الإنترنت بطريقة صحيحة وتطوير حساسية لديهم تجاه الإساءات الرقمية بمختلف أنواعها.
كما شددت على أهمية تعزيز قنوات التواصل بين الأطفال وأهاليهم، بحيث يشعر الطفل بالراحة والانفتاح عند الحديث عن أي مشكلة يواجهها في الفضاء الرقمي، مما يسهل تقديم الدعم والمساعدة اللازمة لهم بشكل فعّال.
وأشارت إلى أن التطور التكنولوجي السريع يعد من أبرز العوامل التي ساهمت في وجود فجوة كبيرة في وعي الأهالي بمشكلات العنف الرقمي، موضحة أنه قبل عشر سنوات لم تكن التكنولوجيا منتشرة كما هي الآن، مما جعل الأهالي أقل استعداداً للتعامل مع تأثيراتها السلبية على الأطفال.
وأضافت أن انشغال الأهل بأعمالهم لفترات طويلة، خاصة في الأسر التي يعمل فيها كلا الوالدين من الصباح حتى المساء، يساهم في اتساع هذه الفجوة، مشيرة إلى أن هذا الانشغال يؤدي إلى قلة الرقابة والمتابعة للأطفال، ما يزيد من فرص تعرضهم للإساءة الرقمية بمختلف أشكالها.
وأوضحت أن المؤسسات التعليمية والمجتمع المدني يمكن أن يلعبا دوراً محورياً في حماية الأطفال من الإساءة الرقمية من خلال تقديم التعليم والتوعية ونشر الوعي بمخاطر هذه الظاهرة.
وأشارت إلى أهمية توفير الدعم النفسي للأطفال الذين تعرضوا للإساءة الرقمية، وذلك عبر تقديم خدمات متخصصة تسهم في مساعدتهم على تجاوز آثار هذه التجربة، كما شددت على ضرورة فرض وسن قوانين وتشريعات صارمة تجرّم الأفراد المسؤولين عن هذه الإساءات.
وأكدت أن حماية الأطفال من الإساءة الرقمية تتطلب تعاوناً مجتمعياً شاملاً، حيث يجب أن تتكافل جميع الأطراف، من أسر ومؤسسات ومجتمع مدني، للحد من هذه الظاهرة وضمان بيئة رقمية آمنة للأطفال.
وأكدت ضرورة وضع تشريعات وسياسات رقمية على جدول الأولويات، نظراً للاستخدام المتزايد للأطفال لوسائل التواصل الاجتماعي، مما يجعلهم عرضة للإساءة الرقمية بمختلف أشكالها.
وأوضحت أن حماية الأطفال تتطلب وضع قوانين صارمة للجريمة الإلكترونية، مع تفعيل دور الجهات المختصة بمكافحة هذه الجرائم، كما شددت على أهمية تعزيز السرية والخصوصية، خاصة عند التعامل مع بيانات الأطفال، لضمان بيئة رقمية آمنة لهم.
وأضافت أن حماية البيانات الشخصية يجب أن تكون جزءاً أساسياً من هذه التشريعات، مما يضمن حماية الأطفال من الانتهاكات الرقمية ويقلل من تعرضهم للمخاطر في العالم الرقمي المتسارع.