حملة أمنية حازمة على البلطجية وفارضي الإتاوات لقيت ارتياحا شعبيا كبيرا. لا تبدأ الحملة من الصفر، وإعلانها لا يعني أن ما قبلها كان فلتانا أمنيا عارما والقول بذلك فيه ظلم وغير دقيق، فأجهزة الأمن والحكام الإداريون يقومون يوميا بمهمة إنفاذ القانون والحفاظ على الأمن. ما يحدث الآن تكثيف لهذه الجهود بعد أن هزت المجتمع الأردني جريمة ما عرف بفتى الزرقاء الذي تقطعت يداه وفقئت عيناه في واحدة من أبشع الجرائم المجتمعية التي شهدها البلد.
يتطاول البعض على القانون لإحساسهم أن هناك من سينتصر لهم أو يحميهم، أو لأنهم يعلمون أن التشريعات ستجعلهم ينفذون من العقاب أو يأخذون عقابا مخففا. هذا هو الشأن الرئيسي الذي يجب أن نتعامل معه إذا أردنا إنفاذ القانون بقوة وبسط هيبة الدولة بالشكل الذي تستحق. الحملة الأمنية شيء جيد وفعال، لكن إذا لم يسعفها القانون سيجد رجال الأمن من أودعوهم بالسجن أحرارا طلقاء يجوبون شوارعنا من جديد بعد زمن قصير. لا بد من تعديل التشريعات بما يضمن تحقيق العدالة والردع، وهذا لا يتنافى بالمطلق مع حقوق الإنسان ولا ينتقص منها. القوانين والإجراءات بحاجة لتعديل لكي نحكم قبضة العدالة على من يخرجون عنها. قانون العقوبات بالتحديد بحاجة لتعديل وإحكام للنصوص، وقد كان للأردن تجربة ناجحة عندما تم تعديل هذا القانون للسيطرة على ظاهرة سرقة السيارات، وقد نجح بالفعل تعديل القانون من السيطرة على تلك الظاهرة التي كان يفلت مرتكبوها بأخف العقوبات بسبب ضعف القانون في مواجهة ظاهرة سرقة السيارات.
يستخدم الحكام الإداريون التوقيف الإداري لكي يكبحوا جماح البلطجية وفارضي الإتاوات، يسعفهم بذلك قانون منع الجرائم، لذلك هم يقاومون بشدة تعديله لأنه مكنتهم القانونية الوحيدة الفعالة في الميدان. يطالب بالمقابل ناشطو حقوق الإنسان بوقفه وتعديله لأنهم يرونه منافيا للشرعية الدولية والمحلية لحقوق الإنسان. المخرج من هذا التنافر تعديل قوانين العقوبات وأصول المحاكمات الجزائية لكي نعطي المسؤولين في الميدان والقضاة المكنة القانونية لإسقاط عقوبات رادعة بحق المجرمين. حتى المجرم له الحق بالمحاكمة العادلة، ولكن مشكلتنا أن هذه المحاكمة تكون بأحكام مخففة بسبب قصر أحكام القوانين ونصوصها. من مظاهر قصور القوانين مثلا أن المعتدي يؤذي نفسه أو يجلب تقريرها طبيا، ويتحول فجأة بقدرة قادر من معتد لمعتدى عليه ولا تملك أجهزة إنفاذ القانون الا توقيف الطرفين في مشهد محزن يعبر عن قصر التشريعات وعيوبها. تعديل القانون سوف يوقف ذلك، ويعيد الهيبة للقانون وأدوات إنفاذه، ويشكل رادعا حقيقيا يخيف المجرمين ويوقع عليهم العقوبات الرادعة الزاجرة. بغير ذلك سوف نبقى ندور في حلقة مفرغة.
الحكومة مدعوة إلى الدفع بالتعديلات القانونية الضرورية لمجلس الأمة، لإحكام نصوص القوانين التي تمكن التنفيذيين في الميدان من تأدية مهمة الحفاظ على الأمن المجتمعي، بما لا يتنافى مع حق أي كان بالمحاكمة العادلة.