صدى الشعب – يومًا بعد يوم تتكشف المطامع الإسرائيلية وما يُحاك داخل الغرف المغلقة لمصير قطاع غزة بعد انتهاء الحرب الدامية التي قاربت على دخول عامها الثاني على التوالي، وقلبت القطاع بأكمله رأسًا على عقب وعطلت وأعدمت كل مظاهر الحياة بداخله بشكل كامل.
المخطط الكبير ليس فقط بالقتل والتدمير وتضييع مستقبل كل فلسطيني داخل غزة وقتل أي أفق للسلام والإعمار وحتى الحياة الكريمة البسيطة، بل يكمن بإعادة السيطرة العسكرية على القطاع وتحويل حكمه وإدارته بشكل كامل للجيش الإسرائيلي، وذلك تنفيذًا لما يصرح به رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، منذ اليوم الأول من إعلان الحرب على غزة بانها “يريد غزة تحت سيطرة الجيش”.
هذا المخطط بدأ ينضج تدريجيًا، فبعد سيطرة الجيش الإسرائيلي بشكل كامل على القطاع والتحكم بمفاصله الرئيسية من شماله حتى جنوبه، تحول الآن الحديث عن تقسيم القطاع وتحويله لثكنات عسكرية منفصلة عن بعضها، تبدأ أولاً من شمال قطاع غزة، الذي أخذ نصيب الأسد من الدمار والقصف والاستهداف بشكل مباشر.
نتنياهو أبلغ أعضاء في “الكنيست” الإسرائيلي، أنه يدرس ما يُسمى “خطة الجنرالات” لفرض حصار على شمال قطاع غزة وتحويلها إلى “منطقة عسكرية”، والتي يروّج لها مجموعة من كبار ضباط الاحتياط في الجيش الإسرائيلي، ولاقت ترحيباً في الكنيست، وفق إعلام إسرائيلي.
وفي الجلسة المغلقة، أشار نتنياهو إلى أن خطة فرض حصار على ما تبقى من مقاتلي “حماس” هي واحدة من عدة خطط قيد الدراسة، والتي ستُعرض على المجلس الوزاري للمناقشة خلال الأيام المقبلة.
وتتضمن الخطة إجبار جميع المدنيين الفلسطينيين على مغادرة شمال غزة “خلال أسبوع”، من أجل فرض الحصار على حركة “حماس”، وفق الرؤية الإسرائيلية، وإجبارها على إطلاق سراح الأسرى المتبقين، وستضع إسرائيل ما تشير التقديرات إلى أنهم 5 آلاف من مقاتلي “حماس” متبقيين تحت الحصار لحين استسلامهم.
ونقلت هيئة البث العامة الإسرائيلية “مكان” عن نتنياهو قوله، إن “الخطة منطقية”، وإنها “واحدة من الخطط التي يجري النظر فيها، ولكن هناك خطط أخرى أيضاً”.
وقال نتنياهو للجنة، إن السيطرة على توزيع المساعدات الإنسانية، “هو سر الانتصار في غزة”، وإن الجهود لتجنيد قبائل محلية فشلت. وبالتالي، فإن فرض نظام عسكري لإدارة شؤون المنطقة ربما يكون ضرورياً في الوقت الراهن، رغم أنه ليس هدفه النهائي.
وتواجه إسرائيل انتقادات شديدة على الصعيد الدولي؛ بسبب الأزمة الإنسانية التي نجمت عن حربها المستمرة على قطاع غزة منذ قرابة العام، ما أدى إلى نزوح معظم سكان القطاع، وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن مليون شخص، أي نصف عدد السكان تقريباً، يعيشون حالياً في منطقة مخصصة للأغراض الإنسانية لا تشكل سوى أقل من 15% من مساحة القطاع، وتفتقر إلى البنية الأساسية والخدمات.
وفي هذا الصدد يقول اللواء المتقاعد جيورا إيلاند، الذي عرض الخطة على اللجنة الأسبوع الماضي، إن الخطة، التي لا تحظى بدعم الولايات المتحدة، “ستُغير الواقع على الأرض” في غزة.
وأضاف: “يجب أن نخبر سكان شمال غزة أن لديهم أسبوعاً واحداً لإخلاء المنطقة، التي ستصبح بعد ذلك منطقة عسكرية، (منطقة) يكون فيها كل شخص هدفاً، والأهم من ذلك أنه لن تدخل أي إمدادات إلى تلك المنطقة”.
واعتبر إيلاند، أن “الحصار ليس فقط تكتيكاً عسكرياً فعالاً، ولكنه يتماشى أيضاً مع القانون الدولي”، قائلاً: “ما يهم رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” يحيى السنوار هو الأرض والكرامة، ومع هذه المناورة، تأخذ كلاً من الأرض والكرامة”.
وكان إيلاند انتقد طريقة إدارة إسرائيل للحرب على غزة، قائلاً لصحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، الأسبوع الماضي، إنه طالما أن “حماس” تسيطر على توزيع الطعام والوقود، فستظل قادرة على تجديد مواردها وتجنيد مقاتلين جدد.
وأضاف: “لا يمكن الانتصار في حرب في ظل هذا الوضع في غزة. الشعار القائل بأن (الضغط العسكري وحده سيجلب النصر) ليس له أساس على الإطلاق. حروب القرن الواحد والعشرين تستند إلى شيء آخر. العنصر الأكثر أهمية هو السكان، ومن يسيطر على السكان هو من ينتصر في الحرب”.
ودافع منتدى القادة والمقاتلين الاحتياطيين، وهو مجموعة من القادة المتقاعدين والاحتياطيين، عن الخطة لـ”إحداث تغيير فعلي في وضع الحرب”، بحسب شبكة CNN الأميركية، وتزعم “مجموعة الجنرالات” أنها قدمت الخطة إلى مجلس الوزراء الإسرائيلي “عدة مرات”. ولم يؤكد مكتب رئيس الوزراء ما إذا كانت هذه الاجتماعات قد عُقدت.
لكن الوجه العام للاقتراح هو إيلاند، الذي كان له مسيرة مهنية مرموقة، إذ ارتقى إلى رتبة لواء، وشغل منصب رئيس مجلس الأمن القومي لرئيس الوزراء الإسرائيلي في الفترة من عام 2004 إلى عام 2006، وفق CNN.
من جانبه، رحب عضو الكنيست عن حزب الليكود، عميت حليفي، وهو عضو في اللجنة، بخطة إيلاند، قائلاً إنها تمثل “الاتجاه الصحيح” للسياسة الإسرائيلية في غزة.
وقال لـ”تايمز أوف إسرائيل”: “من أجل هزيمة حماس يجب أن نسيطر على الأرض والسكان. لا يوجد طريق آخر للنصر”، مؤكداً أنه ما لم يتم القضاء على السيطرة المدنية لحركة “حماس”، فإن الجماعة ستظل قادرة على تجنيد مقاتلين جدد، مضيفًا مثل هذا النهج هو “الفرصة الوحيدة” للتوصل إلى صفقة بشأن المحتجزين، لأنه سيفرض ضغطاً إضافياً على يحيى السنوار للجلوس إلى طاولة المفاوضات وتقديم تنازلات.
وتابع: “إذا كان لديه طعام (يكفيه) لسنوات، وكان الضغط الدولي على إسرائيل، فلماذا يحتاج إلى عقد صفقة؟”.
على نحو مماثل، كتب 27 عضواً في الكنيست، بينهم 3 وزراء حاليين رسالة إلى نتنياهو وحكومته يحضونها على تبني الخطة.
وأمام هذا التوجه الخطير.. هل سينجح المخطط ويعود الحكم العسكري؟ وكيف سيكون شكل غزة الجديد؟ وهل من مُغيث لغزة؟