صدى الشعب – ليندا المواجدة
يلاحظ المواطن بين الحين والآخر تباينًا في أسعار المنتجات المحلية المنتشرة في الأسواق الخارجية، وخصوصًا الأدوية، الأمر الذي يثير العديد من الاستفسارات حول هذا الفارق الكبير بين أسعار البيع داخل الأردن وخارجها.
وفي هذا السياق، وجّه البعض أصابع الاتهام إلى إدارات الشركات المحلية، متسائلين عن أسباب هذا التفاوت الكبير.
وفي حديثه لـ”صدى الشعب”، أوضح الاقتصادي الدكتور سيف أبو رياش أن الصورة تتضح من خلال إطار المنافسة الدولية، حيث تلجأ بعض الشركات المحلية إلى تصدير منتجاتها إلى الأسواق الخارجية بأسعار تقل عن الأسعار الحقيقية أو عن أسعار بيعها داخل الدولة، وهو ما يُعرف بالإغراق السعري الخارجي.
وأشار أبو رياش إلى أن هذه الظاهرة مثيرة للجدل؛ فبينما يعتبرها البعض وسيلة مشروعة لاكتساب حصة سوقية خارجية، يراها آخرون تهديدًا للصناعات في الدول المستوردة، وتستوجب الرد بحزم.
وعرّف أبو رياش الإغراق السعري الخارجي بأنه تصدير منتجات محلية إلى أسواق خارجية بأسعار منخفضة، غالبًا أقل من سعر البيع المحلي أو أقل من تكلفة الإنتاج. وغالبًا ما يتم هذا الفعل لكسب حصة في أسواق جديدة، أو للتخلص من فائض الإنتاج، فقد تنتج الشركات أكثر مما تستطيع السوق المحلية استيعابه، فتقوم ببيع الفائض بأسعار منخفضة خارجيًا. كما قد يكون الهدف الضغط على المنافسين في تلك الأسواق وإخراجهم منها.
وأضاف أن من بين الأسباب التي تدفع بعض الشركات لممارسة الإغراق السعري، استغلال الدعم الحكومي المحلي المقدم على شكل إعفاءات ضريبية أو دعم مدخلات الإنتاج، مما يقلل من تكلفة الإنتاج ويجعل التصدير بأقل من التكلفة مجديًا. كذلك هناك دوافع استراتيجية، مثل التوسع في دخول أسواق جديدة بهدف السيطرة على الحصة السوقية على المدى الطويل، إضافة إلى استغلال غياب قوانين مكافحة الإغراق الصارمة في بعض الدول، وهو ما يعكس ضعف الرقابة الدولية.
وأوضح أبو رياش أن الدول المستوردة تواجه تبعات كبيرة نتيجة هذه الممارسات، أبرزها تضرر الصناعات المحلية بسبب المنافسة غير العادلة من المنتجات الرخيصة، وإغلاق المصانع وفقدان الوظائف بسبب عدم قدرة الشركات المحلية على مجاراة الأسعار المنخفضة. وقد تنشأ لاحقًا حالات احتكار، حيث تخرج الشركات المحلية من السوق، فتقوم الشركات المُغرِقة برفع الأسعار لاحقًا.
وفيما يتعلق بالإجراءات المتبعة لمواجهة الإغراق السعري، لفت أبو رياش إلى أن الدول تقوم عادة بفتح تحقيقات رسمية وفق اتفاقية مكافحة الإغراق الصادرة عن منظمة التجارة العالمية، أو بفرض رسوم مكافحة الإغراق على المنتجات الواردة بأسعار مغرقة. كما تشجع بعض الحكومات شركاتها الوطنية على تقديم شكاوى رسمية إذا ثبت الضرر، أو تلجأ إلى مفاوضات ثنائية مع المصدرين لتعديل الأسعار أو الحد من الكميات المُصدرة.
أما بالنسبة لموقف منظمة التجارة العالمية، فقد أشار أبو رياش إلى أنها تسمح باتخاذ إجراءات ضد الإغراق بشرط أن يُثبت وجوده من خلال مقارنة الأسعار، أو إثبات وجود ضرر فعلي للصناعة المحلية. أي أن المنظمة لا تعتبر الإغراق غير قانوني بحد ذاته، إلا إذا ثبت الضرر.
وسرد أبو رياش نماذج من مواقف دولية سابقة؛ إذ فرضت الولايات المتحدة عدة مرات رسوم مكافحة إغراق على منتجات صينية تم تصديرها بأسعار أقل من تكلفة الإنتاج، فيما قامت أوروبا بفرض رسوم على صادرات زراعية من دول نامية رأت أنها تُباع بأسعار غير عادلة، كما اتخذت الهند إجراءات ضد شركات أجنبية كانت تصدّر كيماويات بأسعار مغرقة أضرّت بالصناعة المحلية.
وختم الدكتور سيف أبو رياش حديثه قائلاً:
“رغم أن الإغراق السعري الخارجي يُعد استراتيجية ناجحة على المدى القصير في فتح الأسواق، إلا أنه يُضعف صورة الشركة والدولة المصدرة أمام الشركاء التجاريين، كما يعرضها لإجراءات قانونية دولية، ما قد يخلق توتراً تجارياً قد يؤدي إلى حرب تجارية. ويُنظر إليه كأداة توسع اقتصادي وتنافسية، إلا أنه يحمل في طياته مخاطر سياسية وتجارية، ويثير التساؤلات حول أخلاقيات التجارة العادلة. وعلى الشركات والدول أن توازن بين مصالحها التوسعية والتزاماتها تجاه قواعد التجارة الدولية، لضمان استدامة علاقاتها الاقتصادية ومكانتها العالمية”
