صدى الشعب – كتبت المحامية سارة جرادات
إنّ بناء هذا المستقبل مسؤولية جماعية، تتطلب تضافر الجهود بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، وبين كل فرد يسهم في تحويل الرؤية إلى واقع…
في قلب منطقةٍ إقليمية تواجه التحديات والمتغيرات المتسارعة، يواصل الأردن تأكيد حضوره كنموذجٍ اقتصادي يوازن بين متطلبات الحاضر وطموحات المستقبل، لم تعد برامج التحديث الاقتصادي في المملكة مجرد خطط مؤقتة أو مبادرات متفرقة، بل أصبحت رؤية وطنية شاملة ترسم مسارًا واضحًا نحو اقتصادٍ أكثر مرونة وتنوعًا.
مع نهاية عام 2025، وبعد سلسلة من الخطوات الإصلاحية والإنجازات، تبرز ملامح مرحلة جديدة إلى البناء المستدام، وتحقيق معدلات نمو أعلى، وخلق بيئة استثمارية جاذبة قادرة على مواجهة التحديات الإقليمية والدولية، إنّ ما يميز هذه المرحلة هو إعادة صياغة البنية الاقتصادية للمملكة بما يواكب التطورات العالمية، ويعزّز قدرة المواطن الأردني على الإسهام الفعّال في مسيرة التنمية.
شهد الاقتصاد الأردني في الربع الأول من عام 2025 نموًا في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.7% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وهو مؤشر إيجابي يعكس متانة السياسات الاقتصادية وقدرتها على الاستمرار رغم الظروف المحيطة.
هذا الأداء يؤكد أن الأردن يسير بخطى ثابتة نحو تحقيق أهدافه الاستراتيجية، معتمدًا على إصلاحات جادّة وشراكات داخلية وخارجية تدعم مسار النمو.
من أهم ركائز رؤية التحديث الاقتصادي خلق فرص عمل مستدامة وتوسيع القاعدة الإنتاجية، ويبرز هنا دور المجتمع وأفراده بوصفهم شركاء أساسيين في إنجاح هذه الرؤية، إذ إنّ تحقيق الأهداف التنموية يتطلب تغييرًا في السلوكيات اليومية وزيادة الوعي بأهمية المشاركة الفعالة في التنمية.
كما تم إطلاق خطط واستراتيجات للنمو الأخضر، في إطار الالتزام العالمي بالتنمية المستدامة، مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة التدرّج في تنفيذ الخطوات الإصلاحية لضمان استقرار النتائج على المدى الطويل، ويبقى التحدي الأكبر هو الحفاظ على استمرارية الإنجازات في ظل الضغوط الاقتصادية الداخلية والخارجية، مع العمل المتواصل على خفض نسب الفقر والبطالة واحتواء الدين العام.
ونرى إدراك صانعو القرار في الأردن أن الإصلاح الاقتصادي لا يكتمل دون إصلاح حقيقي في منظومة التعليم، ولذلك يتم التركيز على إدخال التقنيات الحديثة في أدوات التعليم ومواءمة مخرجاته مع احتياجات سوق العمل المتغيرة.
إن التوجه نحو التعليم التقني والمهني وإيجاد تخصصات جديدة غير مطروحة في السوق الأردني سيؤدي إلى تعزيز الاستثمارات المحلية والأجنبية وفتح مجالات جديدة للتوظيف، مما يدعم الرؤية الاقتصادية الشاملة.
وهذا ما يؤكد على أهمية تنويع الاقتصاد ووضع خطط مرنة تدعم القطاع الخاص وتعمل على تعزيز الشراكة بينه وبين القطاع العام، ويُعدّ ذلك مفتاح النجاح في المرحلة القادمة.
بالتالي برزت الحاجة الملحة إلى تبسيط إجراءات تسجيل الشركات وتقليل المدد الزمنية للحصول على التراخيص وتحسين الخدمات الرقمية والرقمنة في الوزارات والمؤسسات الحكومية وتوسيع قاعدة المشاركة بين القطاعين العام والخاص بما يضمن استدامة المشاريع.
إنّ التحديث الاقتصادي في الأردن ليس مجرد خطة عمل أو مجموعة من الأرقام، إنّه مسار وطني جامع يسعى إلى بناء اقتصاد متنوع ومستدام يليق بتطلعات المواطن الأردني واحتياجاته، إن السنوات المقبلة هي فرصة لإعادة رسم ملامح الاقتصاد الوطني على أسس متينة تقوم على الابتكار، والمرونة، والعمل المشترك.
إنّ بناء هذا المستقبل مسؤولية جماعية، تتطلب تضافر الجهود بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، وبين كل فرد يسهم في تحويل الرؤية إلى واقع، إن الاستثمار في التعليم، ودعم ريادة الأعمال، والارتقاء بالكفاءات، ليست خيارات تكميلية، بل هي مفاتيح أساسية لأبواب التنمية والازدهار.
وتأكيداً على مفهوم المواطنة الصالحة، فلنعمل جميعًا على ترجمة هذه الرؤية إلى إنجازات، ولنجعل من المرحلة الثانية للتحديث الاقتصادي قصة نجاح جديدة وتعاون حقيقي يضع الأردن على خارطة الاقتصاد الإقليمي والدولي بثقة وثبات.






