صدى الشعب – كتب أ.د. عاهد أبو ذويب
في الخامس والعشرين من أيار من كل عام، يحتفل الأردنيون بذكرى استقلال المملكة الأردنية الهاشمية، وهو اليوم الذي أُعلن فيه إنهاء الانتداب البريطاني، وقيام الدولة الأردنية الحديثة ذات السيادة الكاملة. وتمثل هذه الذكرى مناسبة وطنية عظيمة، يستحضر فيها الأردنيون مسيرة الكفاح والبناء، ويجددون فيها العهد على المضي قُدمًا في مسيرة التنمية والتطور.
الأردن تحت الانتداب البريطاني
بعد انهيار الدولة العثمانية إثر الحرب العالمية الأولى، ووفقًا لمقررات مؤتمر سان ريمو عام 1920، خضعت منطقة شرق الأردن للانتداب البريطاني، حيث أُنشئت إمارة شرق الأردن عام 1921. ومنذ تأسيسها، سعت القيادة الوطنية إلى بناء مؤسسات الدولة وترسيخ الأمن والاستقرار، وسط ظروف إقليمية ودولية معقدة، حيث شهدت المنطقة تقلبات سياسية كبرى.
المطالبة بالاستقلال والتحرر
لم يتوقف السعي نحو الاستقلال منذ نشأة الإمارة، حيث سعت القيادة الوطنية بدعم شعبي لتحقيق الاستقلال الكامل، والعمل من أجل إلغاء الانتداب. وازدادت وتيرة المطالبات مع نهاية الحرب العالمية الثانية، مع بروز فرص سياسية جديدة في ظل تغير موازين القوى العالمية، مما مكّن الأردن من تعزيز موقفه التفاوضي.
تحقيق الاستقلال
في عام 1946، جرت مفاوضات رسمية بين الحكومة الأردنية والسلطات البريطانية، أسفرت عن توقيع معاهدة تعترف باستقلال المملكة الأردنية الهاشمية. وفي يوم 25 أيار 1946، اجتمع المجلس التشريعي الأردني في جلسة تاريخية أعلن خلالها إنهاء الانتداب، واستقلال الدولة الأردنية رسمياً، لتصبح دولة ذات سيادة وعضواً فاعلاً في محيطها العربي والإقليمي.
أهمية يوم الاستقلال
يحمل يوم الاستقلال في وجدان الأردنيين قيمة معنوية ووطنية كبيرة، إذ يمثل ثمرة نضال طويل، وتأكيدًا على السيادة الوطنية وحق تقرير المصير. كما يعد نقطة الانطلاق لبناء دولة حديثة قائمة على المؤسسات الدستورية، وسيادة القانون، والمشاركة الشعبية في صنع القرار.
بناء الدولة الحديثة
منذ الاستقلال، بدأ الأردن بتأسيس مؤسساته الوطنية، فتم إعداد الدستور، وبُني الجيش العربي الأردني، ووضعت قواعد الإدارة الحديثة، وتم إطلاق مشاريع تنموية طالت قطاعات التعليم، والصحة، والاقتصاد، والنقل، والزراعة، بالإضافة إلى ترسيخ علاقاته الإقليمية والدولية.
الجهود الوطنية المشتركة
جاء الاستقلال نتيجة لتكاتف جهود أبناء الوطن كافة، من قادة سياسيين وعسكريين، وزعامات اجتماعية، ورجال فكر وثقافة، وعشائر وطنية أصيلة، اجتمعت إرادتهم حول هدف واحد هو تحرير الوطن، وتحقيق السيادة، وضمان مستقبل مشرق للأجيال القادمة.
الأردن بعد الاستقلال
أصبح الأردن بعد الاستقلال دولة ذات تأثير إقليمي، حيث شارك في مختلف القضايا العربية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية. كما انضم إلى جامعة الدول العربية، وأسهم في المؤتمرات الإقليمية والدولية، وشارك في الدفاع عن القضايا العربية والإسلامية، مع المحافظة على الأمن الوطني، وتعزيز التماسك الاجتماعي.
داخليًا، واصل الأردن بناء دولة عصرية، وشهد تطورًا كبيرًا في المجالات التعليمية والاقتصادية والعسكرية، وبات يشكل نموذجًا في الاستقرار، والاعتدال، والعمل من أجل السلام.
مظاهر الاحتفال بعيد الاستقلال
تُقام في الأردن سنويًا فعاليات وطنية احتفالية بهذه المناسبة، تتضمن عروضًا عسكرية، ومراسم رسمية بحضور القيادة، إضافة إلى احتفالات جماهيرية وشعبية. وتُضاء شوارع المدن والساحات العامة بأعلام الوطن، وتُنظم أنشطة ثقافية وفنية تعبر عن مشاعر الفخر والانتماء.
استلهام الدروس للأجيال الجديدة
تمثل ذكرى الاستقلال مناسبة للأجيال الصاعدة لاستلهام الدروس والعبر من تضحيات الأجداد، والحفاظ على مكتسبات الوطن، والعمل على تطويره في كافة المجالات. كما تؤكد على أهمية الوحدة الوطنية، واحترام سيادة الدولة، والاعتزاز بالهوية الأردنية الجامعة.
خاتمة
يظل يوم الاستقلال مناسبة عزيزة في وجدان الأردنيين، ليس فقط لاستحضار الماضي المشرّف، بل للتأكيد على مواصلة مسيرة الإنجاز والبناء. وهو رسالة لكل مواطن بأن الحفاظ على الوطن ورفعته مسؤولية مشتركة، تستحق العمل والتضحية من أجلها، ليبقى الأردن واحة أمن واستقرار، ومنارة عطاء للأمة العربية.





