صدى الشعب – كتبت سهاد طالباني
بات في حكم المؤكد ان يقوم الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بزيارة العراق غدا الاثنين، وهي الزيارة الرسمية الأولى للرئيس التركي منذ ما يقارب اثني عشر عاما كانت حبلى بالتعقيدات السياسية والأمنية بين البلدين الجارين. ووفقا لتصريحات رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني فإن هذه الزيارة “ليست زيارة عابرة”، موضحا بأنه “لأول مرة نجد هناك رغبة حقيقية بين العراق وتركيا بالذهاب إلى الحلول وليس ترحيل للملفات”، فيما كان وزير الدفاع التركي يشار غولر قد صرح بأنه سيتم توقيع اتفاقية استراتيجية للمرة الأولى بين البلدين خلال هذه الزيارة.
هذه التصريحات، مضافا اليها ما تشهده المنطقة من تطورات مؤخرا، تؤكد فعلا بأن الزيارة ليست مجرد زيارة بروتوكولية، وربما تكون هذه هي المرة الأولى التي قد تتوصل فيها الدولتان الجارتان الى حلول او على الأقل الى اتفاقات اطارية للملفات العالقة بينهما منذ عقود.
ومن أهم هذه الملفات هو النزاع القائم بين البلدين على الموارد المائية، حيث ينظر العراق إلى مشاريع بناء السدود في تركيا على أنها تهديد محتمل لأمنه المائي، خوفا من أن تؤدي هذه التطورات في المنبع إلى خنق إمدادات المياه، وتحويل المياه إلى أداة للنفوذ الجيوسياسي، وخاصة مع استمرار تركيا في مشروع جنوب شرق الأناضول الذي يضم سلسلة من السدود ومحطات الطاقة الكهرومائية على نهري دجلة والفرات، والذي تعتبره أنقرة حجر الزاوية في تطلعاتها التنموية.
وبعيدا عن ملف الأزمة المائية، لا تزال العلاقات السياسية والاقتصادية متوترة بين البلدين، وذلك على الرغم من سياسة “صفر مشاكل مع الجيران” التي تعلنها أنقرة، الا أن الواقع على الأرض يروي قصة مختلفة، وخاصة التوترات الواضحة فيما يتعلق بالمسألة الكوردية، والتي تتقاطع مع البعدين الأمني والسيادي في علاقات البلدين، خاصة مع مساعي تركيا العسكرية المستمرة ضد حزب العمال الكوردستاني في إقليم كوردستان شمال العراق، حيث تؤكد تركيا انها لا يمكن ان تتسامح مع وجود أية قواعد تابعة لحزب العمال الكوردستاني يمكن أن تهدد أمنها القومي، فيما ينظر العراق الى هذه العمليات العسكرية على انها انتهاك واضح لسيادته.
على المستوى الاقتصادي، تنظر تركيا الى العراق باعتباره سوقا كبيرا للمنتجات التركية على اختلاف أنواعها، حيث بلغت قيمة الصادرات التركية الى العراق حوالي ثلاثة عشر مليار دولار في العام الماضي وفقا للتصريحات الرسمية التركية، فيما توقع وزير التجارة التركي ان ترتفع هذه القيمة الى حوالي خمسة عشر مليار دولار على المدى القريب، وثلاثين مليار دولار خلال الخمس سنوات القادمة. كذلك ينظر العراق الى تركيا باعتبارها شريكا اقتصاديا مهما، خاصة في ظل الحديث عن مشروع طريق التنمية.
أما على المستوى السياسي، فأننا لا نذيع سرا ان قلنا ان أنقرة ترغب في أن يكون لها دور مؤثر العملية السياسية العراقية، بل ولا نبالغ ان قلنا أنها فعلا تمارس هذا الدور من خلال القنوات الدبلوماسية الرسمية من جهة، ومن خلال العلاقات التي تمتلكها مع مجموعة من القوى والأحزاب السياسية العراقية من جهة أخرى، بينما في المقابل، يكاد العراق لا يمتلك أي تأثير في السياسة الداخلية التركية.
وإذا أردنا أن نلخص ما يريده كل طرف من الاخر، فيمكننا ان نقول ان ما تريده تركيا يتمثل في رغبتها في تأمين حدودها وتخفيف التهديدات التي تشكلها المجموعات المسلحة الموجودة على حدودها الجنوبية، والوصول بشكل اكبر الى السوق العراقية، مع محاولة التأثير على المشهد السياسي داخل العراق للحد من نفوذ القوى الإقليمية المنافسة لها، اصافة الى التعامل مع القضية الكوردية بما يتوافق مع مصالحها.
أما العراق فيسعى الى الحصول على ضمانات بأن حقوقه المائية محمية في مواجهة مشاريع السدود التركية التوسعية، كما يهدف إلى تعزيز علاقته التجارية مع تركيا، وهي العلاقة الضرورية لإعادة إعماره ونموه، مع التأكيد على أن ملف السيادة هو موضوع غير قابل للتفاوض، وأن على تركيا احترام سيادة العراق بشكل كامل.
وعلى الرغم من أهمية الزيارة، الا ان ذلك لا يعني ان الأبواب ستكون مشرعة أمام التوصل الى اتفاقات وحلول حول المواضيع المذكورة أعلاه، وذلك بسبب وجود تحديات ليست بالسهلة أمام الطرفين، ربما يكون أولها هو التحدي الإقليمي في ظل وجود قوى إقليمية ترغب أيضا في تحقيق مصالحها والتعامل مع قضايا مرتبطة بالبلدين، مع الاخذ بعين الاعتبار التوترات الإقليمية المتصاعدة مؤخرا والتي تلقي بظلالها على أي تحركات تهدف الى بناء علاقات ثنائية بين بلدين يقعان في قلب المشهد الإقليمي المعقد.
التحدي الاخر يتمثل في الوضع الداخلي المعقد في كلا البلدين، وخاصة على المستوى السياسي، ففي العراق تختلف المصالح الإقليمية للقوى السياسية حتى وان كانت جزءا من التحالفات الحاكمة بشكل او باخر، فهناك قوى لديها اندفاع لبناء علاقات افضل مع تركيا، في حين ان هناك قوى تتخذ من موقفا معاديا او في افضل الأحوال متشككا نجاه أنقره، وبالتالي فان أي محاولات للوصول الى تفاهمات بين العراق وتركيا لا بد وان تمر على فلاتر القوى السياسية العراقية. أما على الجانب التركي، فلا بد من الإشارة الى الرئيس التركي هو زعيم حزب العدالة والتنمية، والذي تلقى خلال السنوات الأخيرة ضربات قوية من المعارضة التركية، وخاصة في الانتخابات البلدية الأخيرة، وهناك احتمال وارد بأن تتمكن المعارضة من الوصول الى الحكم في الانتخابات القادمة، مما يمكن ان يكون له أثر بشكل او باخر على شكل العلاقات بين تركيا وجيرانها بما فيهم العراق.
مع ذلك، تظل زيارة اردوغان للعراق مهمة، وربما تكون خطوة على طريق بناء علاقة جديدة بين البلدين، علاقة تحكمها المصالح المشتركة والاحترام المتبادل، وهذا الهدف سيمر بالتأكيد بمراحل من المحادثات والمفاوضات والمد والجزر، ولا بد في المحصلة من وجود تنازلات من كلا الطرفين فيما يتعلق بالقضايا الإشكالية بينهما، حيث لا يمكن لطرف واحد ان يحقق كل أهدافه على حساب الطرف الاخر.