كتب. الدكتور / محمود الرجبي
هَلْ يُمْكِنُ للمسلم أن يَعِيْش فِي الغرب ويحافظ عَلَى قِيمَة وعاداته الأصلية؟
يشكل الغرب مَلاذًا كبيرًا لعدد متزايد من الـمُسْلِمينَ فِي العالم، مثلهم مثل غيرهم من سُكَّان العالم الثالِث خاصة، ففي الولايات المتحدة الأمريكية وحدها أصْبَحَ الإسلام ثالث أكبر ديانة من حَيْثُ معتنقيه بعْد المسيحية واليهودية، فَهُنَاكَ ما يقرب من أرْبَعَة ملايين مسلم فِيهِا، جزء كَبِير مِنْهُم من المهاجرين الجدد، وَفِي أوروبا وَصَلَ عددهم إلى 44 مِلْيُون نسمة بِنِسْبَة 6% من سُكَّان أوروبا – باستثناء الشق الأوروبي من تركيا-.
لَدَى الـمُسْلِمينَ فِي الغرب العَدِيد من التَّحَدِيات لَهَا عَلاقَة بالتأقلم مَع الأجواء الجَديدَة هُنَاكَ، وَالوُصُوْل إلى صيغة تعايش تجمع ما بَيْنَ القيم والأخلاق الَّتِي تربوا عَلَيْهَا فِي بلدانهم وَبَيْنَ القيم والأخلاق هُنَاكَ، وَكَذلِكَ فَهُنَاكَ إشكالية بكيفية فهم العقلية الغربية، والتقيد بالقوانين والأنظمة الصارمة، بِطَرِيقَة لَمْ يتعود عَلَيْهَا بَعْض الـمُسْلِمينَ فِي بلدانهم الأصلية.
من نافلة القول أن أي شَخْص يَعِيْش فِي بَلَد ما يتوجب عَلَيْهِ الحفاظ عَلَى قوانينه، وتعليماته، وَطَرِيقَة عيشه، وعدم مُخَالَفَة الأنظمة والقوانين هُنَاكَ تحتاج إلى جهود مضاعفة، فكل شَخْص هُوَ سفير لبلده الأصلي ودينه فِي الغرب، وأي مُخَالَفَة، أو خروج عَلَى تَعْلِيمَات أوْ أخلاقيات تِلْكَ البلد قَدْ يؤثر عَلَى الصُّورَة الذهنية فِي أذهان النَّاس هُنَاكَ.
لا بُدَّ لعلماء الدين الإسلامي الَّذِينَ يتواجدون فِي الغرب، أوْ فِي البلاد الإسلامية، ويفتون لِلْمُسْلِمينَ هُنَاكَ أن يفهموا الغرب جَيِّدًا، وألا يصدروا فتاوى تتعارض مَع هَذَا التَوَاجُد، وحسب وجهة نظري فأي شَخْص لا يُرِيد الالتزام بقوانين البلدان الَّتِي سيعيشون فِيهِا، ويعتقدون أن هَذَا مُخَالِف لِلْدينِ، يبقى فِي بلده أفضل لَهُ، فالمثل العربي يَقُول: الغَرِيب أديب. بمعنى أنك يَجِبُ أن تُحَافِظ عَلَى عدم خدش أي قانون أوْ تَعْلِيمَات فِي أي مَكَان آخر تَذْهَب إلَيْهِ، وهَذَا أصْلاً يفترض أن تفعله أيضًا فِي بلدك الأصلي.
يتصرف بَعْض الـمُسْلِمينَ – وهم أقلية- بِطَرِيقَة غَرِيبَة فِي الغرب، حِيِنَمَا يكفرونه، ويدعون الآخَرِينَ لِعَدمِ الالتزام بقوانينه، ويفترض بهؤلاء – وَأركِّز هم أقلية – إذا كَانُوا يعتقدون أن الغرب عدوهم، ولا يتقبلونه أن يعودوا فورًا بلدانهم، كَيْ لا يناقضوا أنفسهم.
أدعو دائمًا إلى التفاعل مَع الغرب، فَهُنَاكَ حرية عالية، وَيُمْكِنُ للإنسان أن يوازن بَيْنَ متطلبات قيمه الأصلية، وَطَرِيقَة العيش هُنَاكَ، وَكُلَّمَا كانَ الإنسان حَضَاريًا أكثر فِي تِلْكَ الدُّوَل – ومِن تَجْرُبة شَخْصِية بَسيطَة- يُمْكِنُ أن يلاقي الـمَزِيد من الاحْتِرَام، والتقدير، والتفهم لنمط عيشه، لَكِن ما يَحْصل أحيانًا أن بَعْض الـمُسْلِمينَ يتحدثون بألسنتهم عَن قيم مُعَيَّنَة، وَيَقُوُمُونَ فِي الوَاقِع بسلوكيات عكسها، فيلاقون اسْتنكارًا من أهل تِلْكَ البلدان.
المسلمون مدعون للتفاعل مَع الآخَرِينَ، وَالـمُشَارَكَة فِي الفِعْل الحضاري فِي العالم كُلهُ، وهَذَا ليْسَ صعبًا عَلَيْهِم، بَعَيدًا عَن الأقلية المتطرفة الَّتِي تسيئ لِلجَميعِ دومًا.