صدى الشعب – كتب صفوان عثامنه
في توقيت بالغ الحساسية، يأتي مقال الباشا أسعد بني عطا حول تحديات اللجوء والشراكة الأردنية–الأوروبية ليضع الإصبع على جرحٍ مفتوح في الضمير الدولي، في لحظة يتجه فيها الغرب، سياسيا وشعبيا، نحو اليمين، وتتصاعد فيها النزعات القومية والشعبوية، ويضيق الهامش الإنساني أمام قضايا الهجرة واللجوء.
أهمية ما كتبه الباشا لا تكمن فقط في استعراض الأرقام أو السياسات الأوروبية المتشددة، بل في طرح السؤال الأعمق: كيف يمكن للعالم أن يعيد تعريف مفهوم الشراكة والمسؤولية في ملف، لم يعد إنسانيا فحسب، بل بات سياسياً وأمنيا واقتصاديا بامتياز؟
من خلال خبرتي الميدانية في التعامل مع قضايا اللجوء، والعمل الانساني، وقيادتي لإحدى أكثر مهام الاستجابة الإنسانية للأمم المتحدة تعقيداً في مخيم الركبان، يمكنني القول، أن المقاربات الأمنية الصرفة في التعامل مع اللجوء لا تنتج حلولاً مستدامة، بل تؤجل الأزمات وتُعمّق كلفها!
الأردن، عبر تاريخه الحديث والمعاصر، لم يكن يوما دولة حسابات باردة حين تعلّق الأمر بإغاثة الملهوف. استقبل موجات لجوء متتالية، من فلسطين إلى العراق، ومن سوريا إلى غيرها، في ظروف إقليمية شديدة القسوة، وهو بلد محدود الموارد، شحيح المياه، مما شكل ضغطاً هائلا على بنيته التحتية. ومع ذلك، ظلّ الخيار الأردني أخلاقياً قبل أن يكون سياسيا، وإنسانيا قبل أن يكون تفاوضيا!
لم يسأل الأردن يوما عن العائد أو الكلفة حين فُتحت أبوابه، ولم يتعامل مع اللجوء كـ “ملف” موسمي أو ورقة ضغط، بل كمسؤولية أخلاقية تنبع من عمق هويته السياسية والتاريخية. وهذا السلوك ليس طارئا ولا ظرفيا، بل امتداد طبيعي لنهج هاشمي ضارب في جذور التاريخ.
فالهاشميون، حملة لواء الثورة العربية الكبرى، لم ينظروا يوما إلى الإنسان بوصفه رقما أو عبئا! بل بكونه قيمة عليا. ومنذ فجر الدولة الأردنية، ارتبط الموقف السياسي بالأخلاق العامة، وارتبطت السيادة بالمسؤولية، لا بالانغلاق أو التنصّل. وليس أدل على ذلك من “رسالة عمّان” التي قدّمت نموذجا عالميا في الاعتدال والإنسانية، ولا من الوصاية الهاشمية على المقدسات التي تُجسّد جوهر الإسلام السمح قبل شعاراته.
في المقابل، يعيش الغرب اليوم تحوّلاً عميقا في المزاج العام، حيث تتقدّم الأحزاب اليمينية بخطاب الخوف والهوية والانغلاق، وتُعاد صياغة سياسات اللجوء بمنطق أمني صرف، أحيانا على حساب القيم التي طالما تباهى بها الغرب نفسه. من هنا تأتي أهمية إعادة فتح النقاش، كما فعل الباشا، حول عدالة توزيع الأعباء، وحول معنى الشراكة الحقيقية، لا تلك التي تُختزل في بيانات الدعم أو التمويل الجزئي.
إن طرح هذا الملف في هذا التوقيت ليس ترفاً فكريا، بل ضرورة سياسية. فالأردن لا يطلب صدقة، ولا يبحث عن مجاملة، بل يدعو إلى مقاربة عقلانية وعادلة: استقرار المنطقة هو المصلحة المشتركة، والاستثمار في الدول المستضيفة للاجئين هو استثمار في أمن العالم، لا عبئاً عليه.
ما كتبه الباشا يفتح الباب على مصراعيه لنقاشٍ ناضج، بعيد عن الشعبوية والاتهام، ويذكّر بأن الأردن، الذي تحمّل ما يفوق طاقته، لم يفعل ذلك بدافع الضعف، بل بدافع القيم. وفي عالمٍ تتبدّل فيه البوصلة الأخلاقية سريعا، يبقى الثبات على المبدأ موقفا سياسيا بحد ذاته.
قائد فريق مهام مخيم الركبان الأسبق، والخبير في العمل الانساني..





