د بَتُول مُجَاهِد المحيْسن / مديرة مركز الأميرة بسمة لدراسات المرأة الأردنية – جامعة اليرموك
عِنْدمَا تُشير لُغَة الأرْقام إِلى أنَّ مَا يُقَارِب خَمسَة وثلاثون بِالْمِئة مِن شُهَداء غَزَّة هُم مِن النِّسَاء، وأنَّ أَكثَر مِن مِئة أَلْف سَيدَة فَقدَت زوْجهَا وتْعيل أُسْرتهَا وَحِيدَة، وأنَّ أكثر من نِصْف مِلْيون اِمرأَة تَبحَث عن مَأْوى، وأنَّ آلاف الفتيات بَقين بِلَا أخٍ، أو أبٍ، أو حَتَّى شَقِيقَة وَأُم، وان أكثر من ٥٠ أَلْف اِمرأَة حَامِل، 6000 مِنْهنَّ يَلدْن خِلَال هذَا الشَّهْر حُرَّمْن مِن اَلحُصول على الخدْمات الصِّحِّيَّة، فَهذَا وَحدُه دليل كافٍ على أنَّ وَاقِع المرْأة الغزاوْيَّة بات خَارِج كُلِّ الوصوف والتَّقْييمات، وأنَّ التَّحَدِّي الإنْسانيَّ لَم يَعُد مُجرَّد نَتِيجَة لِلصِّرَاع، بل بات عُنْوانًا لِأزْمة لَيْس مِن السَّهْل تجاوزهَا .
فِي هذَا الوَاقِع اَلمؤْلِم لَيْس مِن السَّهْل الاكْتفاء بِالْحديث عن القيم والْإنْسانيَّة والتَّنْمية، وَحتَّى عن أَضعَف سُبُل الحيَاة بِشَكل مُجرَّد وَعَام، وتكوُّن الأوْلويَّة لِلْحدِيث عن اَلأُم اَلتِي تَبنِي اَلبُيوت، وعن الفتَاة اَلتِي تَبحَث عن المسْتقْبل، وعن الطِّفْلة اَلتِي تَاهَت هُويَّتهَا وَضَاع مُسْتقْبلهَا، وَرُبمَا لَا يُمْكِن اَلحدِيث عن اَلجُهود اَلتِي يَجِب أن تَبذُل فِي ظِلِّ هذَا الواقع اَلمرِير، فَفِي الوقْتِ اَلذِي يُحْيِي فِيه العالم مُناسبَة ” 16 يَوْم لِمناهضة اَلعُنف ضِدَّ المرْأة ” بَاتَت نِسَاء فِلسْطِين الأكْثر عُرضَة لِلْعنْف فِي ظِلِّ صَمْت قاسٍ وَمؤلِم.
إِنَّ الكتابة عن مَا تَشهدُه المرْأة الفلسْطينيَّة مِن تحدِّيَات وآلام، وتكْرَار وَصْف المشْهد، لَن يُوقف الحرْب فوْرًا ولن يَبنِي اَلبُيوت، أو المدارس والْمسْتشْفيات، ولن يُحْيِي اَلقُدرة على مُوَاجهَة الموْتِ، والْمَرض، والْفَقْد، والْفَقْر اَلذِي تُوَّلده مِثْل هَذِه الأزمات فِي نُفُوس الفلسْطينيَّات المسْتضْعفات فِي غَزَّة، وقد يَكُون المطْلوب اليوْم أن نَكُون جُزْءًا مِن دَوْر اَلأُردن وقيادته الهاشميَّة الحكيمة فِي الدِّفَاع عن فِلسْطِين وتقديم الدَّعْم الإنْسانيِّ لِكلِّ الفئَات اَلتِي تَتَعرَّض لُلْسُوك العدْوانيِّ والْفَصْل العنْصريِّ والْإبادة الجماعيَّة اَلتِي بَاتَت عُنْوانًا واضحًا لِممارسات جَيْش الاحْتلال، وَذلِك مِن خِلَال نَهْج عِلْمِي وَبحثِي وإنْسانيٍّ مُسْتَمِر يَضمَن تَواصُل هَذِه اَلجُهود حَتَّى اِنتِهاء الأزْمة، وإحلال السلام.
فَهذِه الممارسات تمسُّ بِالضَّرورة قِيم السَّلَام والاسْتقْرار، وتتسَبَّب فِي رَفْع الكلف اَلتِي تتحمَّلهَا المنْطقة وليْس غَزَّة وَأَهلهَا فحسْب، وَذلِك فِي جميع القطاعات الحيويَّة مِثْل الصِّحَّة، والتَّعْليم، والْعدالة، مِمَّا يُعطِّل عَجلَة الإنْتاج، ويمْنع المرْأة كمَا المجْتمع مِن الاسْتفادة مِن الموارد الاقْتصاديَّة والاجْتماعيَّة كمَا يَجِب.
وعليْه فَإِن الاسْتجابة السَّريعة والْقويَّة لِمتطلَّبات المرْحلة، والْمضيِّ قُدُما فِي بِنَاء مَشرُوع عَربِي مُتَكامِل لِلْوقاية مِن اَلعُنف، يَبدَأ بِبناء قَواعِد بيانَات نَوعِية لِجوْدة حَيَاة النِّسَاء الفلسْطينيَّات وتحْديدًا فِي غَزَّة، وقراءة مدى اِلتِزام المؤسَّسات الدَّوْليَّة والْمجْتمع اَلدوْلِي بِالتَّصدِّي لِلْعنْف اَلمُوجه لِلْمرْأة الفلسْطينيَّة، بل وبناء مَنظُومة عَرَبيَّة لِدَعم النِّسَاء والْفتيات فِي فِلسْطِين مَعرفِيا ومعْنويًّا ومادِّيًّا، وبحيْث يَستطِعن تَطوِير البنى التَّحْتيَّة لِمجْتمعاتهنَّ وبناء نُقطَة اِنطِلاق جَدِيدَة تَضمَّن تَجوِيد نَوْع الحيَاة اَلتِي يعشْنَهَا، وبحيْث نَبنِي دوْرًا أَساسِيا فِي تَوجِيه الخدْمات، وَتعزِيز تَمكِين المرْأة وَتمتِين دوْرهَا والْوصول إِلى الأشْخاص المعرَّضين لِلْخطر وَتعزِيز عَجلَة النُّهوض والتَّنْمية .
وَلأَن المرْأة الفلسْطينيَّة هِي عُنْوان التَّنْمية ورمْز الصُّمود فلَا يَجِب أن تُوقف الحرْب مسارَات التَّحْفيز الاقْتصاديِّ والسِّياسيِّ لِلْمرْأة الفلسْطينيَّة، بل يَجِب أن يُعزِّز دَورُها كَنَواة لِانْطلاقة تَنموِية جَدِيدَة، تُبْرِز مِن خِلالِهَا الصُّورة اَلتِي نعْرفهَا لِلْمرْأة الفلسْطينيَّة اَلقوِية اَلتِي تَدعَم صُمُود أَهلِها وَوطنِها، وَالتِي تُشكِّل مَصدَر قُوَّة فِي مُوَاجهَة الأزمات، وَهُو مَا يَجِب أن تَبنِي قَواعِده كُلَّ المؤسَّسات العاملة فِي غَزَّة.
بل وَيجِب أن يَتَرافَق ذَلِك مع حَمَلات إِعْلاميَّة نَوعِية تَوصَّل لِلْعالم هذَا الوجْه لِجميل لِلْمرْأة القادرة، وللطِّفْلة الجميلة، وللْفتاة المميَّزة اللَّواتي يُواجِهْن اَلحُروب بِالصَّبْر، والْعدْوان بِالْعطاء، ولعلِّي هُنَا اِسْتذْكر قوْلا سابقًا لِجلالة اَلملِكة رانْيَا العبْد اَللَّه ” إِنَّ وَاقِع الطِّفْل الفلسْطينيِّ والْأمِّ الفلسْطينيَّة مُؤْلِم جِدًّا، فهناك أَجيَال لَم تَعرِف الطُّمأْنينة والسَّلام، وَهذَا غَيْر مَقبُول، ونحْن فِي اَلأُردن نرى أَنَّه لا يُمْكِن لِلْمنْطقة أن تَنعَم بِالسَّلام والاسْتقْرار إِلَّا عِنْدمَا تَحُل اَلقضِية الفلسْطينيَّة ” مَا يَعكِس مِقدَار الاهْتمام الملَكيِّ بِالْمرْأة والْأطْفال كعنْوَان لِلسَّلَام والاسْتقْرار .
كمَا أنَّ الدَّعْم الأرْدنِّيَّ اَلذِي تُسَيره الهيْئة الخيْريَّة الهاشميَّة وقوَّاتنَا المسلَّحة الأرْدنِّيَّة إِلى الأهْل فِي غَزَّة هُو شَكْل آخر مِن أَشكَال دَعْم المرْأة والْأسْرة، إِذ إِنَّ خَلْق بِيئة صِحِّية وإنْسانيَّة جَيدَة، والْمساهمة قَدْر المسْتطاع فِي رَفْع مُستَوَى مُوَاجهَة الأزْمة لِلْفلسْطينيِّين على أَرضِهم هُو مِحوَر أَساسِي لِإعْلَان اَلقُدرة على الاسْتمْرار والْبناء.
خِتامًا أَقُول إِنَّ بِنَاء مَنظُومة السِّلْم المجْتمعيِّ فِي فِلسْطِين عُنْوانه المرْأة أوَّلا، وأنَّ العمل مع المرْأة يَحْتاج إِلى جُهُود نَوعِية تَوْزاي قُدْرتهَا على التَّطْوير وَدورِها المحْوريِّ فِي الحيَاة، وَلأَن اَلأُردن هُو رِئة فِلسْطِين سَتظَل النِّسَاء الأرْدنِّيَّات وَفِي مُقدِّمتهنَّ جَلالَة اَلملِكة رانْيَا العبْد اَللَّه عُنْوانًا لِدَعم صُمُود نِسَاء فِلسْطِين، تحْقيقًا لِرؤْية جَلالَة اَلمَلِك اَلذِي يُوَاصِل اللَّيْل والنَّهار لِحماية أَروَاح أَهلِنا فِي غَزَّة وحماية اَلحُقوق الإنْسانيَّة لِكلِّ إِنسَان على هَذِه اَلبُقعة مِن أَرضِنا المحْتلَّة ومخاطبة الرَّأْي اَلْعام العالميِّ لِكَشف جَرائِم الاحْتلال ضِدَّ اَلمُكون الاجْتماعيِّ الفلسْطينيِّ كاملا بِمَا فِيه المرْأة والطِّفْل