ماجد توبه
رغم أن العدو الاسرائيلي اعتبره مبكراً وما يزال هدفاً استراتيجياً للحرب العدوانية على قطاع غزة، فإن هدف استئصال المقاومة الفلسطينية وحركتي حماس والجهاد وانهائها كاملة في القطاع المنكوب، باتت تثبت الأيام للاسرائيليين، وليس لنا، أن هذا الهدف ليس استراتيجياً بحسابات الصراعات والحروب بل هدفا تكتيكياً لا اثر استراتيجي جوهري له!
كيف ذلك؟ هذا الهدف “الاستراتيجي” الرئيسي الذي وضعته القيادة المجرمة والمأزومة في الكيان المارق منذ اليوم الأول للعدوان، ورغم أن فشله يترسخ يومياً على الأرض وفي وحل غزة بعد ثلاثة أشهر تقريباً من حرب الإبادة، لا يمكن له، حتى لو نجح شكلياً في فرض ذلك، لن يحقق المرامي الاستراتيجية وراءه، وهي باختصار اسرائيلياً: استعادة قوة وهيبة الردع، والثقة بالمؤسسة العسكرية التي انهارت في 7 اكتوبر، ووأد أي فرص جديدة لتكرار مثل تلك الهزيمة القاسية، وتحرير الاسرى، وأيضاً وأبعد من ذلك دفع أكثر من ربع مليون نازح اسرائيلي للعودة الى مساكنهم واعمالهم لغلاف غزة وشمال فلسطين المحتلة، وكذلك اعادة الزخم للهجرة الى الكيان ووقف الهجرة المعاكس، التي تقدرها اسرائيل حاليا بنصف مليون شخص حتى الان فروا من الكيان والاغلب انهم لن يعودوا.
أضف إلى ذلك أن الهدف الاستراتيجي هذا استهدف ويستهدف دفع فلسطيني قطاع غزة ولاحقاً الضفة الغربية إلى الفرار لجوءا للخارج في تطهير عرقي جديد.
باستثناء قسوة الخسارة البشرية للشهداء بين المدنيين وتدمير كل مقومات الحياة بالقطاع والابادة الجماعية فإن كل يوم يبعد اسرائيل عن هدف تحقيق الهدف الاستراتيجي المذكور (استئصال المقاومة من جذورها ورفع الشعب الفلسطيني الراية البيضاء)، فكل هذه المعارك الميدانية والقصف الوحشي لم ولن يوقف المقاومة في غزة، وما تزال التوابيت والمصابين والمعاقين والمرضى النفسيين يعودون الى اسرائيل بالمئات في حرب يواجهون فيها رجالا يقبلون على الموت بحماسة وتمرسوا في المقاومة ضد جيش بات مكشوفا بين الخرائب والبيوت المدمرة.
ولا يمكن ان يكون تحقيق هذا الهدف الاسرائيلي، القضاء على المقاومة بغزة، على فرض مستبعد، استراتيجيا بمعنى ذات اثر حاسم وجوهري في الصراع الكلي، وبما يحقق غاياته التي سقناها سالفا، فكما بات العالم كله يقر بان المقاومة فكرة وعقيدة راسخة في نفوس الشعب الفلسطيني، وان صمتت المدافع على جبهة لن تصمت على جبهة اخرى، وان هدات سنة او اثنتين فلن تهدا لثلاث سنوات، فمنذ عام النكبة 1948 بل وما قبلها بعقود لم يهدا الشعب الفلسطيني عن نضاله ومقاومته، ولا توجد قوة في الارض تجبر الفلسطينيين على نسيان فلسطين وحلم التحرير.
المقاومة في غزة والضفة الغربية لا يمكن ان تنتهي، هذا ما بات واضحا ومسلما به من الاسرائيليين انفسهم، حتى لو احتلت غزة كاملة ومن خلفها السيطرة المطلفة على الضفة الغربية المحتلة، هكذا علمنا التجارب من الانتفضات والمعارك المتتالية حتى في ظل اوسلو، وقبلها حرب 1982 في لبنان وما سبقها من اشتباكات ومعارك دائمة، وبعد ان توهم الاسرائيليون ان المقاومة الفلسطينية انتهت وبات مقاتلوها يبعدون الاف الكيلومترات في تونس واليمن والعراق، انفجرت لهم المقاومة في قلب فلسطين منذ عقود وما تزال.
ولا يمكن لـ “النصر” الاسرائيلي المتوهم في غزة ان يجني ما يراهن عليه الاسرائيليون من هدف الحرب الاستراتيجي، فثمة عدو اخر رابض على تخوم الكيان في الشمال، وهو حزب الله، والحرب معه قادمة قادمة، معه ومع من وراءه اي ايران ومحاضن عديدة للمقاومة مرتبطة بها، فعن اي ردع يتحدثون وعن اي امن واستقرار لاسرائيل يمنون به مواطنيهم ومستوطنيهم، وما الذي يجبر الكثير من الاسرائيليين على البقاء والعيش في ظل الخوف من حروب متواصلة وقتلى ومعاقين وتشريد وتعطل للاقتصاد والاعمال وانهيار لمستويات معيشة شرائح واسعة!
حتى الصحافة الاسرائيلية ومسؤولين سابقين في الكيان، باتوا، وهم يتحدثون عن الحرب الحالية واخفاقاتها، يصطدمون بجدار هذه الاسئلة الوجودية ولن تلبث ان تتدحرج ككرة الثلج بين العامة.
رغم ما يبديه قادة اسرائيل من عنجهية وانكار مرضي حاليا للحقائق على الارض وتهربهم من مواجهة احتمالات واخطار المستقبل الاستراتيجيى على كيانهم، فلن يطول بهم الامر حتى ينزلوا عن الشجرة، او بالاحرى يتم انزالهم عن راس الشجرة.. لكنهم لن يجدوا الوقت كما باقي الاسرائيليين للاصطدام باسئلة الوجود الكبيرة، فهم سيجرون الى المحاكم والسجون.. وبعضهم الى بيوتهم يموتون فيها قهرا وهم يشاهدون تحطم اسطورة القوة التي لا تقهر وكيان الاستقرار والامن الذي يتشظى وينهار.