الزراعة… انعطافة باتجاه خاطئ

 

مزارعو وادي الأردن في طريقهم اليوم للبدء بإضراب تام عن توريد منتجات الخضار والفواكه للأسواق، احتجاجا على استمرار تدني أسعار بيع المنتوجات. يقولون إن الحكومة غير جادة بإيجاد حلول لإنقاذ القطاع من الانهيار.
الإضراب يأتي غداة وقفة احتجاجية نفذها المزارعون في سوق العارضة المركزي بهدف تحريك المياه الساكنة بشأن قضيتهم، فهم يعتبرون أن وادي الأردن بات منطقة منكوبة، فكلفة إنتاج المحصول وتسويقه أعلى بنحو عشرة أضعاف من سعر البيع!
قبل أيام قليلة، لم يتردد وزير الزراعة عن القول إنه لا يمكن إنعاش هذا القطاع في ظل المعطيات الموجودة، بينما يعلن وزير العمل أمس عن اتفاق على إجراءات لمساعدة القطاع على تجاوز التحديات، في اجتماع لمجلس الشراكة للقطاع الزراعي.
ما الذي يجري؟ أهكذا هو حال القطاع الذي يأخذ مساحة واسعة في خطط الدولة للمرحلة المقبلة، ويعول عليه من أجل أن يكون داعما حقيقيا وأساسيا في النمو الاقتصادي؟
يتوجب على الجميع أن يكونوا منغمسين في التفكير بجدية للنهوض بقطاع الزراعة، وتطويره، والتركيز عليه وتوفير كل سبل إنجاحه عبر تذليل جميع التحديات التي تواجه كل الأطراف المشاركة في هذا المنتج، بعد وضع إستراتيجيات قصيرة الأمد، وحوارات ومشاورات مستفيضة مع أصحاب الاختصاص، وهو الأمر غير المتوفر في الوقت الراهن، وللأسف لا نرى أنه سيكون متوفرا في الأمد المنظور.
نقف اليوم متخوفين بشكل حقيقي من هجرة غالبية المزارعين أراضيهم، خصوصا أن معظمهم مهدد بالسجن جراء تراكم الديون عليهم، ومع توقف التصدير للموسم الحالي، لا شك أن الحال أصبحت أكثر سوءا مما كانت عليه في السابق.
إن الاستمرار بالنهج القائم في التعامل مع هذا الملف سيدفعنا نحو مزيد من التدهور، في الوقت الذي نحن في أمس الحاجة إلى العمل والجهد باعتباره بارقة أمل تسهم في تدعيم اقتصادنا الوطني، بينما ما نزال غير قادرين على فهم معادلة التخبط والإصرار عليها، كما أننا لم نعد نجد لها أي تفسير، ما يجعلها غير مقبولة لدينا، وينبغي أن يصار إلى تغيير مثل هذه المعادلة التي تكلفنا الكثير.
لا شك أن هناك حلقة مفقودة لم يتمكن أي مسؤول حكومي من اكتشافها حتى الآن، ليس لصعوبتها، وإنما لعدم الجدية في البحث والتحري عنها، تزامنا مع غياب الأفق والرؤية والإرادة، خصوصا مع وجود غالبية غير مؤمنة بأولوية هذا القطاع في ظل الظروف الحالية، بل إن بعضهم يجاهر بأنه من “الترف” التفكير بالقطاع الزراعي في الوقت الراهن، ويشكك في جدوى الزراعة بوجود مشكلة مزمنة هي فقر الماء في الأردن. فهل نترك المسألة إلى اجتهادات هؤلاء، بينما يتوجب علينا الحفر عميقا، وتجاوز جميع التحديات لكي نحقق أمننا الغذائي بشكل فعال!
ربما تحل أزمة المزارعين ويتوقفون عن إضرابهم اليوم أو غدا، وسيحصلون على وعود رنانة، لكن هذه الأزمة هي واحدة من أزمات متراكمة ومتشعبة، تبدأ ولا تنتهي، تتداخل فيما بينها وتتشابك، وتحاط بسياج من الألغاز التي لا حل لها.
عندما نتحدث عن الأردن كمركز إقليمي للأمن الغذائي، فهذا يعني أن الحكومة تخطط وتدعم وتقدم جميع التسهيلات، وأن المزارع بات قادرا على التحول نحو الزراعات غير التقليدية، بدلا من الغوص في بحر من التحديات تدفعه نحو هجرة أراضيه أو تضمينها لتجار المواشي لاستخدام ما تنتجه علفا لمواشيهم. حتى اليوم، ورغم أننا لا نملك ترف الوقت، نحن ما نزال نسير في الاتجاه الخاطئ. الأمر يحتاج إلى انعطافة من نوع جديد، وفي أسرع وقت.

أخبار أخرى