لو سلّم المتعثرون أنفسهم بشكل جماعي

 

إذا كانت الحكومات في الأردن، تتعثر في سداد ديونها، فتؤجل بعضها، وتجدول بعضها الآخر، وتتهرب في مرات من سداد حقوق من يعملون معها، فلماذا سنلوم الشخص العادي المتعثر، الذي ليس لديه قدرة على سداد ديونه أو التزاماته أو أداء حقوق الناس؟.
نحن هنا، لا نتحدث عن أولئك الذين يحتالون، وملفاتهم معروفة، من الذين تلاحقهم الجهات الرسمية، على عشرات الشيكات، ويحترفون النصب بطرق مختلفة، على خلق الله، بل نتحدث فقط عن أولئك المتعثرين، وبعضهم اضطر أن يفر إلى تركيا، أو مصر، أو يتوارى في بيته، أو يغير مكان سكنه خوفا من العقاب والإجراءات القانونية في عام الرمادة هذا.
قبل يومين فقط، تحدث مصدر قضائي أن دوائر التنفيذ في المحاكم شرعت في دراسة مدى إمكانية إعادة تفعيل طلبات حبس المدين في القضايا التنفيذية اعتبارا من بداية العام 2021، وأشار إلى أن الدراسة تأتي بعد أن كانت الجهات المختصة قد قررت سابقا تأجيل تنفيذ طلبات الحبس التنفيذي عن كل دين لا يتجاوز مجموعه 100 ألف دينار بعد تفشي وباء كورونا، وأدى ذلك بطبيعة الحال، إلى إطلاق سراح أعداد كثيرين من الموقوفين.
القصة هنا، لها أكثر من وجه، إذ ان صاحب الحق، يريد ماله، ولا يصبر، وقد لا يقبل بتسوية مالية، وهذا قطاع كبير من أصحاب الحقوق، لا يمكن التغافل عن حقوقهم، مثلما أن هناك مئات الآلاف من المتعثرين، الذين يواجهون مصيرا قاسيا، بسبب تعثر أعمالهم، أو عدم قدرتهم على الوفاء بالحقوق المطلوبة منهم، خصوصا، بعد وباء كورونا، وإغلاق قطاعات واسعة، وخسارة كثيرين لأعمالهم، وملاحقتهم بسبب عدم سداد التزاماتهم.
هذا هو البعد القانوني، لا يمكن إغفال حقوق الناس، ولا المماطلة في دفعها، مثلما لا يمكن التهوين من أوضاع المتعثرين، والتوقعات حول زيادة عددهم بشكل كبير جدا.
لهذا يتبنى نقيب المحامين الأستاذ مازن ارشيدات رأيا مفهوما، من حيث ضرورة تفعيل قانون التنفيذ، وتفعيل القانون، وعدم جواز تفعيل نص، وتجميد نص آخر، مثلما نسمع آراء لقانونيين آخرين، يتبنون رأيا مختلفا، وهم ضد حبس المدين، أو المتعثر، لاعتبارات كثيرة.
لكن دعونا نتحدث عن الجانب السياسي والاجتماعي في هذه القصة، إذ إن أعداد المدينين والمتعثرين، وصلت إلى أرقام فلكية، ومن المتوقع أن تزداد الأعداد، بسبب التراجعات الاقتصادية، ويكفينا من بين هؤلاء الأردنيين الهاربون إلى دول العالم، خوفا من العقوبة، فتتنزل عليهم عقوبة أسوأ أي عدم تجديد جوازات السفر، وتحويلهم إلى طائفة “بدون” في هذه الدنيا، بما يخالف الدستور أساسا، الذي لا يسمح بمنع تجديد الجواز، بهذه الطريقة، وهي قصة لم تعالجها أي حكومة، حتى الآن، وكأنه محكوم على هؤلاء بالإعدام مرتين، مرة بسبب التعثر والديون والهروب، ومرة عبر حرمانه من تجديد جواز سفره، وبحيث يتحول بعضهم، إلى مطاردين في عواصم العالم، بل تلغى إقامات كثيرين، لعدم تجديد جوازاتهم.
لو تخيلنا أن كل المطلوبين سلموا أنفسهم بشكل جماعي، لاحتجنا إلى استئجار عشرين ملعبا من ملاعب كرة قدم، لتأمين أماكن لنوم هؤلاء، ولربما سترجوهم الحكومة أن يفروا ولا يسلموا أنفسهم بشكل جماعي، كما أن حبس المدين والمتعثر، سيؤدي في هذه الظروف إلى نتائج وخيمة جدا، على استقرار العائلات، فيتنزل عليها خراب فوق الخراب.
ولأن للقصة أكثر من وجه، فلا بد من معالجة جذرية لكل هذه القصة، فلا أحد فينا، مع ضياع حقوق الناس، ولا سلب حقوقهم الناس، لكن ملف الديون بات بحاجة إلى حلول مبدعة، بمعايير مختلفة، وقد تفشت الديون بما يتفوق على وباء كورونا ذاته، بكل سلالاته، ليبقى السؤال حول الجدوى العملية لسجن مدين متعثر، وغير قادر على السداد.
هذا زمن صعب، وما من أردني أو أردنية، إلا وفيه طعنة دين أو غدرة قرض أو لسعة شيك مرتجع، أو نظرة دائن غاضبة، فيا لطف الله الخفي، أدرك هذه البلاد، وأهلها.
إنه عام الرمادة، فمن أين نأتي بسيدنا عمر رضي الله عنه وأرضاه.

أخبار أخرى