صدى الشعب – كتبت رولا حبش
يحبّ الإنسان أن يُصدّق أن المشكلة في الخارج: في المكان الذي يعيش فيه، في الأشخاص الذين يرافقونه، في العلاقات التي تفتح جروحًا، في الظروف التي تضغط عليه.
فنبدأ نفكّر:
ربما لو ابتعدت… ستهدأ روحي.
ربما لو خرجت من حياة هؤلاء… سأُعامل كما أستحق.
ربما لو انتقلت إلى مدينة أخرى… سيبدأ عالمي من جديد.
لكن الحقيقة التي نحاول الهروب منها هي:
أينما نذهب… نأخذ أنفسنا معنا.
وأنفسنا تحمل خوفنا القديم، حساسيتنا، جروحنا، ردود أفعالنا، أنماطنا، وذاك الصوت الداخلي الذي لم نُعد تربيته بعد.
فنصل إلى المكان الجديد…
فنكتشف أن الألم تغيّرت ملامحه فقط.
والناس تغيّروا… لكن السلوك واحد.
والبيئة تغيّرت… لكن التجربة تتكرر.
ليس لأن العالم سيّئ، ولا لأن الآخرين نسخة عن بعض.
بل لأن العالم يعكس ما نحمله في داخلنا.
العلاقة التي نهرب منها تُعيد نفسها في شخص جديد.
البيئة التي ضاقت علينا تتجسّد في بيئة أخرى.
الجرح الذي لم نواجهه… يختار شكلًا جديدًا حتى يُعيد نفسه.
ولما نجرّب الهروب مرّة، ومرّتين، وثلاث…
نكتشف الحقيقة المؤلمة الجميلة:
التغيير الحقيقي لا يبدأ حين نغيّر الأماكن… بل حين نغيّر أنفسنا.
حين يتغيّر فكرنا، يتغيّر معنى العالم.
حين تهدأ مشاعرنا، تهدأ الأصوات حولنا.
حين نتسامح مع ذواتنا، نختار علاقات مختلفة.
حين نقبل حقيقتنا، نتوقف عن طلب الاعتراف من الخارج.
وحين نحبّ أنفسنا… نرى العالم يلين لنا كما لم يفعل من قبل.
لن تتبدّل الحياة لأننا بدّلنا العنوان،
ولن تصبح أطيب لأننا حذفنا أو أضفنا أشخاصًا.
الحياة تتبدل حين نفهمها من الداخل،
حين نعيد ترتيب وعينا،
حين نعيد بناء حواراتنا الداخلية،
حين نتعلّم أن نرى كل شيء من زاوية محبة وليس من زاوية جرح.
وهذا سرّ الحياة الذي يغفل عنه الكثيرون:
غيّر ما في قلبك… تتغيّر الأرض التي تمشي عليها.
غيّر أفكارك… يتغيّر شكل الناس أمامك.
غيّر طاقتك… ينقلب واقعك كلّه.
أنت لستَ بحاجة لجغرافيا جديدة،
أنت بحاجة لروح جديدة تُنير الجغرافيا التي تقف فيها.
وكما يقول الحكماء:
“ما لم تشفِه داخلك… سيظهر أمامك حتى تشفِيه.”
فابدأ من الداخل.
رتّب قلبك.
نظّف جروحك.
غيّر نظرتك لنفسك.
ومن بعدها… سترى العالم يتبدل من تلقاء نفسه.
لأن التغيير الحقيقي…
لا يحدث حولنا،
بل يبدأ منّا…






