الخصاونة: العقوبات البديلة تعزّز الردع وتحدّ من اكتظاظ السجون
الراعي: التوسع غير المدروس في العقوبات البديلة خطر على الردع
الحديد: غياب المعايير الموحدة للعقوبات البديلة يخلق تبايناً في الأحكام
صدى الشعب – سليمان أبو خرمة
يشهد النظام القضائي الأردني توجهاً متزايداً نحو اعتماد العقوبات البديلة، في إطار جهود تهدف إلى إعادة دمج المحكومين في المجتمع والحد من الآثار السلبية للاحتجاز، خصوصاً في الجرائم البسيطة وللأشخاص الذين يرتكبون المخالفات للمرة الأولى.
وأكد خبراء قانونين أن التجربة في هذا المجال تُعد ناجحة ومتناغمة مع المعايير الدولية، وتساهم في تعزيز الردع العام والخاص، والحد من اكتظاظ السجون، ومنع المحكومين من اكتساب أساليب جرمية أثناء الاحتجاز، إضافة إلى منحهم فرصة للإصلاح وإعادة التكيف مع المجتمع.
وأوضحوا خلال حديثهم لـ”صدى الشعب” أن التوسع غير المدروس في تطبيق العقوبات البديلة قد يضعف الردع ويخلق فجوات في توحيد الأحكام، ما يستدعي وضع معايير واضحة وآليات متابعة دقيقة، وإجراء دراسات أثر شاملة لتقييم الالتزام بالشروط ونجاعة هذه العقوبات في الحد من العودة للجريمة، وضمان تحقيق التوازن بين الإصلاح وحماية المجتمع.
وكان وزير العدل الدكتور بسام التلهوني أكد في تصريحات رسمية، أنّه ومنذ بدء تطبيق بدائل العقوبات السالبة للحرية، تم منح عدد من الأشخاص المحكومين فرصة جديدة لإصلاح أنفسهم والنجاة من العقوبة السالبة للحرية والتفكير بعدم تكرار الجريمة وارتكابها، حيث إن بدائل العقوبات السالبة للحرية تهدف إلى تجنب الآثار السلبية للعقوبة السالبة للحرية بإعطاء المحكوم عليه بالجرائم البسيطة فرصة للبقاء ضمن النسيج الاجتماعي.
العقوبات البديلة فرصة لإعادة دمج المحكومين في المجتمع
وبهذا الإطار، قال الخبير القانوني صخر الخصاونة إن التوجّه الأردني المتزايد نحو تطبيق العقوبات البديلة يبدو «موفّقاً» من حيث المسار الذي سلكه الشارع الأردني وصانع القرار، موضحاً أن هناك مدارس وسياسات متعددة في هذا المجال، وأن الأصل في أي عقوبة أن تحقق الردع العام والردع الخاص معاً.
وأضاف الخصاونة، خلال حديثه لـ”صدى الشعب”، أن المدرسة الحديثة في العالم تشير إلى أن تحقيق الردعين العام والخاص يتطلب منح المحكوم فرصة لإعادة الاندماج في المجتمع، وإتاحة مساحة لإعادة تأهيله، خصوصاً في الجرائم البسيطة أو الجرائم التي تُرتكب للمرة الأولى.
وبيّن أن التجربة الأردنية في هذا السياق تُعد تجربة ناجحة ومتناغمة مع المعايير الدولية، مشيراً إلى أنها تسهم في الحد من اكتظاظ السجون، وتمنع في الوقت ذاته اكتساب المُدانين لأساليب جرمية خلال فترة وجودهم في مراكز الإصلاح.
وأشار الخصاونة إلى أن الأرقام الحالية للعقوبات البديلة، ومع بدء التجربة، تُعطي مؤشرات مهمة؛ فعندما تُعلن وزارة العدل أن نحو 14 ألف قضية خضعت للعقوبات البديلة، فإن هذا الرقم رغم تواضعه في سياق إمكانية التوسع يعد جيداً ويعكس مدى القدرة على تطبيق هذا النظام، ويؤكد في الوقت نفسه حجم الحاجة إلى تبنّي مزيد من هذه العقوبات لما تتيحه من فرص لإعادة دمج الأفراد في المجتمع.
وأكد ضرورة اللجوء إلى دراسة أثر تشريعية شاملة، تقوم على أبحاث متخصصة لقياس البيئة التشريعية والحالات التي طُبِّقت فيها العقوبات البديلة، وبحث مدى تكرار ارتكاب الأشخاص للجرائم بعد تطبيق هذه العقوبات، بما يسمح بتقييم التجربة تقييماً علمياً دقيقاً.
وفيما يتعلق بتسجيل العقوبة البديلة في السجل العدلي، شدّد على أن ذلك لا يفرغها من قيمتها الإصلاحية، بل على العكس، يثري الجانب الإصلاحي ويمنح الشخص مساحة أكبر للإصلاح والقدرة على التكيف مع بيئته، لافتاً إلى أن العقوبات التي تتضمن خدمة مجتمعية ترسّخ لدى المحكوم مبادئ الولاء والانتماء والشعور بالمسؤولية المجتمعية.
وبيّن أن المشرّع الأردني في تنظيمه للعقوبات البديلة لم يفتح المجال بشكل مطلق، بل وضع شروطاً قانونية واضحة، من بينها أن يكون الحكم لأول مرة، بما يعزز لدى المحكوم فكرة عدم تكرار المخالفة.
وأضاف أن التطبيق السليم لهذه العقوبات واعتبارها جزءاً لا يتجزأ من منظومة العقوبات الإصلاحية يجعلها أمراً طبيعياً ويرفع من مستوى الردع العام والخاص، ويساعد في إعادة دمج الشخص في المجتمع بصورة أفضل، مشيراً إلى أن تقديم الخدمات الاجتماعية يعد من أهم أشكال العقوبات البديلة، لما يعزّزه من مفاهيم إيجابية لدى المحكومين.
العقوبات البديلة تخفّض الكلفة المالية الكبيرة للسجون
من جهته قال أستاذ القانون الجنائي والجرائم الإلكترونية الدكتور أشرف الراعي إن تطبيق العقوبات البديلة يشكل خياراً قانونياً واجتماعياً مهماً لما يحمله من مزايا وانعكاسات إيجابية على المجتمع.
وأضاف الراعي، خلال حديثه لـ”صدى الشعب”، أن العقوبات البديلة تمكن من دمج الأشخاص المذنبين أو المجرمين بنظر القانون في المجتمع بدلاً من احتجازهم داخل مراكز الإصلاح، ما يخفف الأعباء المالية على الدولة ويتيح في الوقت ذاته إصلاحهم.
وأوضح أن بعض هذه العقوبات قد تُنفذ بأشكال مختلفة لفترة زمنية محددة، بحيث يبقى تنفيذ العقوبة قائماً دون أن يفقد المحكوم صلته بأسرته أو محيطه القريب.
وأشار إلى أن وضع مرتكبي الأفعال البسيطة داخل مراكز الإصلاح والتأهيل، وخاصة إذا كانت عقوبتهم صغيرة، يؤدي إلى اختلاطهم بذوي السوابق، وهو ما يخلق انعكاسات اجتماعية سلبية كبيرة، لافتاً إلى صعوبة بيئة السجون وما قد تتركه من آثار على شخصية المحكوم بعد الإفراج عنه.
وبين أن الحديث عن وجود فجوات في تطبيق العقوبات البديلة ما يزال مبكراً، مؤكداً أن الأردن في مرحلة بداية تطبيقه والنقاش القانوني حوله، على الرغم من تعديل القانون وإدراج نصوص تسمح بتطبيق هذه العقوبات.
وأكد أن تطبيق العقوبات البديلة له أثرعلى الاكتظاظ في مراكز الإصلاح حيث سيخفف بصورة واضحة من حجمه، مشيراً إلى أن الدولة تتحمل مبالغ كبيرة على كل سجين، وأن العقوبات البديلة ستخفف من هذا العبء.
وأشار إلى أن هذا النوع من العقوبات أكثر توافقاً مع حقوق الإنسان، خاصة في حالات ارتكاب أفعال بسيطة لا تستدعي إدخال الشخص في بيئة مليئة بالمجرمين وذوي السوابق.
وأوضح أن تطبيق العقوبات البديلة يأخذ بعين الاعتبار تخصص المحكوم وخبراته وسجله الإجرامي وعمره، مشيراً إلى العقوبة بطريقة إنسانية تراعي ظروف الفرد وعائلته ينسجم مع القواعد القانونية، ومع قواعد العدالة والمساواة والإنصاف التي تتطلب التفريق بين من يرتكب فعلاً مجرماً لأول مرة ومن اعتاد على ارتكاب الأفعال الجرمية بشكل متكرر.
وحول مخاطر وتحديات التوسع بالعقوبات، أكد أن التوسع غير المدروس أمر غير سوي، لأن تطبيق العقوبات البديلة على الجميع بغض النظر عن نوع الجرم يخالف مبدأ الردع.
ودعا إلى إيجاد موازنة بين تطبيق العقوبات البديلة وبين الوضع داخل مراكز الإصلاح والتأهيل، بما يحقق الردع العام والخاص ويحمي المجتمع، إلى جانب تنفيذ العقوبات البديلة بصورة إنسانية وحضارية تراعي مصلحة المحكومين وأفراد المجتمع.
فقدان هيبة العقوبة يجعل الرد على الجرائم أقل فعالية
من جهتها أكدت الخبيرة القانونية والمتخصصة في علم الجريمة، الدكتورة نور الحديد، أن التوجه نحو التوسع في تطبيق العقوبات البديلة لا يعكس فهماً دقيقاً لعلم الجريمة أو لاحتياجات المجتمع.
وأوضحت الحديد خلال حديثها لـ”صدى الشعب” أن علم الجريمة يشدد على أن تحقيق الردع لا يقتصر على اليقين وسرعة العقوبة، بل يتطلب أيضاً وضوح حدود العقاب ومكانته في الوعي الجمعي والمجتمعي.
وأضافت أنه في ظل غياب منظومة تقييم المخاطر الفعلية، وغياب الرقابة الصارمة على تنفيذ العقوبات، فإن التوسع في العقوبات البديلة قد يرسل رسالة خاطئة بأن العقوبة فقدت جدية، ما يضعف الردع العام ويؤثر في شعور العدالة لدى الضحايا والمجتمع على حد سواء.
وشددت على أن البيئة المؤسسية والتنفيذية في البلاد ما تزال غير جاهزة لضمان فعالية هذه البدائل، موضحة أن التوسع غير المدروس قد يؤدي إلى تساهل لا يخدم الهدف الإصلاحي أو الأمن المجتمعي.
وأضافت أن العقوبة ليست مجرد إجراء إداري يمكن استبداله أو تخفيفه، بل هي جزء من بنية الردع الاجتماعي التي يجب أن تكون واضحة ومستقرة ومفهومة لدى المجتمع.
وأكدت أن فقدان هيبة العقوبة قد يجعل الرد على الجرائم، خصوصاً الجنح، أقل فاعلية، وهو ما تدعمه عدة مدارس في علم الجريمة ونظريات الردع الإدراكي.
وأشارت إلى وجود فجوة جوهرية تتعلق بتفاوت الأحكام، موضحة أنه حتى في الجرائم المتشابهة، قد يعتمد قاضٍ عقوبة بديلة بينما يلجأ آخر إلى عقوبة أخف رغم تطابق الوقائع والعناصر القانونية تقريباً، وهو ما ينتج عن اختلاف الاجتهادات الشخصية والقناعة القضائية، خصوصاً في ظل غياب معايير واضحة تحدد متى تكون العقوبة البديلة مناسبة لكافة الجرائم.
وأكدت أن هذا التباين يخلق حالة من عدم اتساق السياسة العقابية، ويجعل العقوبة أحياناً تعتمد على قناعة القاضي أكثر من خصائص الجريمة والجاني، وهو ما يتعارض مع مبادئ العدالة الجنائية ومتطلبات علم الجريمة الذي يشدد على ضرورة وجود أدوات تقييم موضوعية وموحدة.
وأضافت أن عدم الالتزام من بعض المحكومين بشروط العقوبة البديلة، مثل العمل المجتمعي أو برامج التأهيل، إذا لم يكن هناك متابعة دقيقة وإطلاع طرفي المحاكمة على جدية التنفيذ، قد يقلل من فعالية هذه العقوبات إصلاحياً.
وأكدت الحاجة إلى آليات دقيقة لتصنيف المحكومين من حيث الخطر وإمكانية التكرار، لضمان أن تُمنح البدائل لمن لا يشكل تهديداً مستقبلياً، مشيرة إلى أن الحد الأقصى الذي قد يواجهه الجاني، مثل ساعات خدمة مجتمعية، قد لا يكون رادعاً كافياً، وقد يُفهم الخطأ بأن الفعل غير خطير وأن النظام العقابي قابل للتجاوز، وهو ما يؤدي إلى تكرار الجريمة وإحباط الشعور بالعدالة لدى المجني عليهم.
وأوضحت أن الأرقام الرسمية حول تنفيذ العقوبات البديلة تبدو مبهرة، لكنها تظل مجرد بيانات إحصائية إذا لم تُقاس على أرض الواقع من خلال دراسات متابعة حقيقية تقيم معدل العودة إلى الجريمة ومدى التزام المحكومين بالشروط.
وأضافت أنه دون هذه الدراسات، لا يمكن القول إن العقوبات البديلة نجحت إصلاحياً أو رادعياً، مؤكدة أن وجود أعداد كبيرة من المحكومين بهذه البدائل لا يعني بالضرورة أن العدالة أُنجزت أو أن المخاطر الاجتماعية قلت، أو أن هذه السياسة أسهمت فعلياً في الحد من الجريمة.






