لا يريدون الحظر ولا إجراءات الحماية ايضا

 

امضيت الأسبوعين الفائتين خارج الأردن، وحيثما كنت، لم تكن هناك أي إجراءات صعبة، فلا حظر شاملا، ولا جزئيا، وكل ما هو مطلوب الالتزام بالكمامة فقط.
الأهم من هذا ان الكل يلتزم، اذ يستحيل ان تجد انسانا في الشارع، او المطعم، او المطار، او المقهى، او أي مكان، دون كمامة، ولا تهاون في تطبيق القانون، ابدا، والاصابات التي كانت مرتفعة، بدأت بالانخفاض، بسبب الالتزام، وعدم التهاون مع المخالفين.
يوم امس صباحا، كنت في احد مناطق شمال عمان، ووسط السوق، والسيارة تسير ببطء جراء ازمة السير، أتأمل الوجوه، ولربما يكون مفاجئا، ان ثلاثة من اصل عشرة تقريبا ممن يسيرون في الشارع، يستعملون الكمامة، وثلاثة تقريبا، يضعون الكمامة على الاذنين والذقن فقط، وهناك أربعة بلا كمامات نهائيا، سيدات، ورجال، وأطفال، ولا توجد أي إشارة على ان معهم كمامة أساسا، او انهم يأبهون بكل القصة، برغم كبر عمر بعضهم.
فكرت مطولا، في المشهد، واذا ما كانت رسالة الاعلام تصل الى هؤلاء، ام لا، ام ان بعضنا يعيش في عالم آخر، واذا ما كانت ملايين الوفيات في العالم، والوفيات في الأردن، تقنع كل هؤلاء بأن هناك ازمة صحية تضرب العالم، ام اننا لا نريد ان نستمع، لمجرد العناد فقط.
ربما الكمامة من ناحية صحية، لا تمنع الإصابة تماما، لكنها تخفف من احتمالها، وقد رأيت خلال سفري في كل مكان، من يستخدم القفازات في عمله، ويغيرها كل ساعة، فهو أيضا لا يريد ان يصاب، ويعرف ان اصابته قد تؤدي الى خسارته لحياته، وصحته معا.
الحكومة هنا، تلوح أحيانا بالحظر الشامل الكلي الممتد زمنيا لفترة طويلة، والكل يصيح ويرفض هذا التوجه، وبالمقابل يصير البديل الحظر الجزئي، من حيث الزمن، واغلاق قطاعات تشغل مئات الالاف، وبكل صراحة كل من يتحدى الإجراءات، ويتسبب بنقل العدوى لنفسه او عائلته، يضر شعبا كاملا، فالقصة ليست حرية شخصية هنا، لأننا ان وصلنا الى زاوية حرجة فسوف ندفع جميعا الثمن، ولن تفيد لحظتها الاستغاثة ولا الانين، والتوجع.
الحظر الشامل الممتد زمنيا او حتى الجزئي، يضر الناس والخزينة معا، وقد يكون اوفر على الدولة ان تفرغ كثرة من كوادرها لمراقبة من يخالفون، وكلفة تفريغ الكوادر اقل بكثير من كلفة الحظر الشامل على الدولة، وقد كان ممكنا الاستغناء عن كل هذا المشهد، لو تعاون الناس، لكن بعضنا يثقب السفينة بنفسه، وحين تقترب من الغرق، يصيح محملا البقية المسؤولية، شاتما كل من امامه من مؤسسات، هذا على الرغم من ان ادامة الوضع العام ضمن الحد المعقول والممكن، مهمة جماعية، وليس مطلوبا من شخص واحد وحسب.
ماذا بإمكان الدولة ان تفعل هنا، وهل يعقل ان يتم تخصيص كتائب من الشرطة والدرك لملاحقة الناس في الشوارع، في ظل وجود مهمات أخرى لهذه المؤسسات أساسا، سوف تتأثر بإرهاق هذه المؤسسات، في اقناع الناس، انهم ينتحرون بهذه الطريقة وينحرون بلدا كاملا؟
السؤال الذي يتردد أيضا في البال: ما السبب الذي يجعل شعوبا أخرى تلتزم بالتعليمات، حتى تستمر حياتها، فيما اغلبنا هنا لا يلتزم، هل هو الشعور بالقوة، ام عدم فهم التوكل على الله، ام الشعور بالعظمة وان المرض لا يصيب فلانا، لأنه مدعوم، او لأنه قوي الجسد، او لأن له أقاربا في هذه المؤسسة او تلك، او لأنه فوق القانون، او لأنه قليل الاستيعاب، لما يجري، او لأنه يعتقد ان الكواكب تتآمر علينا، من اجل سواد عيوننا، وأهميتنا على هذا الكوكب؟.
الحالات الان في الأردن، من فئة الالاف يوميا، والحياة مربكة وغير طبيعية، والشتاء لم يبدأ بعد، وحتى قصة اللقاح، لا يعرف احد مدى مأمونيتها النهائية، ولا موعد تلقي اللقاح، وهذا يعني ان علينا جميعا، دون وعظ او ارشاد، ان نغلق الباب في وجه الثغرات، حتى تستمر الحياة، ضمن حدودها الحالية، والا سنجد انفسنا جميعا بعد قليل امام وضع اصعب واخطر.
يبقى السؤال موجها للناس: اذا كنتم لا تريدون حظرا شاملا، ولا جزئيا، ولا تحتملون كليهما، فلماذا لا نلتزم بالإجراءات الوقائية، ونخفض الإصابات، ونديم حياتنا قدر الإمكان؟

أخبار أخرى