صدى الشعب – د. ليث كمال نصراوين
أسفرت مرحلة التحديث السياسي التي بدأتها الدولة الأردنية في عام 2021 عن تحقيق جملة من المتكسبات السياسية لفئات مختلفة من المجتمع الأردني ولمؤسسات وطنية متعددة في مقدمتها الأحزاب الأردنية، حيث ظهرت هذه المكاسب بشكل واضح وجلي من خلال نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة لعام 2024، والتي حققت فيها الأحزاب السياسية تمثيلا غير مسبوق على مستوى القائمة الحزبية العامة، بالإضافة إلى الاستقطاب الذي قامت به بالنسبة للمترشحين عن الدوائر الانتخابية المحلية.
ومن الأمثلة على الأحزاب السياسية التي استفادت من تشريعات التحديث السياسي والإرادة الحقيقة بإحداث إصلاح حقيقي في المنظومة السياسية حزب جبهة العمل الإسلامي، الذي تمكن من حصد تمثيل واسع له في مجلس النواب العشرين، بعد أن نجحت الهيئة المستقلة للانتخاب بأن تُجري انتخابات نيابية على درجة عالية من النزاهة والشفافية.
كما استفادت أحزاب سياسية جديدة من مرحلة الإصلاح السياسي والتي خرجت إلى النور حديثا، إلا أنها تمكنت من إيصال مترشحين عنها إلى المجلس النيابي الجديد على الرغم من حداثة عمرها السياسي، وكثرة الأخطاء التي وقعت فيها خلال فترة التحضير والاستعداد لإجراء الانتخابات النيابية الأخيرة.
وفي مقابل هذه الإنجازات التي حققتها الأحزاب السياسية الأردنية، نجد أنه من الضروري تذكيرها بأبرز الالتزامات القانونية الملقاة على عاتقها. فالحزب السياسي قد جرى تعريفه في المادة (3) من قانون الأحزاب السياسية النافذ لعام 2022 هو “تنظيم سياسي وطني يتألف من أردنيين تجمعهم قيم المواطنة وأهداف وبرامج ورؤى وأفكار مشتركة، ويهدف إلى المشاركة في الحياة السياسية والعمل العام بطرق سلمية ديمقراطية لغايات مشروعة ومن خلال خوض الانتخابات بأنواعها المختلفة”.
إن نقطة الإنطلاق في تعريف الحزب السياسي هي اعتباره حزبا وطنيا يسعى إلى الحفاظ على المصالح الوطنية العليا ويرفع شعار المواطنة بمفهومها الواسع القائم على وجود ارتباط بينه وبين الدولة أساسه احترام سيادة القانون واكتساب الحقوق وتحمل الإلتزامات.
ففي مقابل الضمانات التشريعية التي أوجدها قانون الأحزاب السياسية في المادة (4) منه بعدم جواز التعرض لأي أردني أو مساءلته أو المساس بحقوقه الدستورية بسبب انتمائه أو انتماء أي من أقاربه الحزبي مع حقه في المطالبة بالتعويض المادي والمعنوي، فإنه يقع لزاما على الأحزاب السياسية وقاداتها الإمتناع عن الإتيان بأي عمل أو سلوك أو حتى تصريح فيه مساس بالأمن القومي ويخل بالوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي.
ومن الالتزامات القانونية الأخرى الملقاة على عاتق الحزب السياسي ضرورة احترام أحكام الدستور والقانون، وعدم الارتباط التنظيمي أو المالي بأي جهة غير أردنية أو توجيه النشاط الحزبي بناء على أوامر أو توجيهات من أي دولة أو جهة خارجية، والامتناع عن التنظيم والاستقطاب الحزبي، وعدم اللجوء للعنف أو التحريض عليه بجميع أشكاله، والامتناع عن إقامة أي تنظيمات عسكرية أو شبه عسكرية.
كما تحظر المادة (23) من قانون الاحزاب السياسية النافذ على الحزب الأردني إقامة أي علاقات سياسية مع أحزاب أخرى داخلية أو خارجية أو مع اتحادات أحزاب سياسية دولية إذا كان الهدف منها ارتباطه تنظيميا بتلك الأحزاب أو الاتحادات، وبشكل يخالف أحكام الدستور والقانون.
وفيما يخص تمويل الأحزاب السياسية، فقد اشترطت المادة (24) من القانون الحالي على الحزب أن يعتمد كليا في موارده المالية على مصادر تمويل أردنية مشروعة ومعلنة، بحيث يُحظر عليه تلقي أي هبات أو تبرعات نقدية أو عينية من أي دولة أو جهة غير أردنية أو شخص غير أردني، ومن أي مصدر مجهول.
إن أي فعل أو تصرف يشكل مخالفة للالتزامات القانونية المترتبة على الأحزاب السياسية قد اعتبره قانون الأحزاب السياسية جريمة يترتب على ثبوت ارتكابها جزاءات قانونية تتمثل الحبس والغرامة، والتي قد يصل مداها إلى حل الحزب السياسي. فالمادة (35) من القانون حددت الحالات التي يُحل فيها الحزب بقرار قضائي صادر عن محكمة البداية، والتي من أهمها مخالفة الحزب المعني لأحكام الدستور والقانون دون تصويب المخالفة، وإذا ثبت بدعوى جزائية ارتباطه ارتباطا تنظيميا بجهة خارجية، وإذا قبل تمويلا من أي جهة أو شخص خلافا لأحكام القانون.
إن أي قرار قضائي سيصدر بحل حزب سياسي لمخالفته أحكام القانون سيتم استغلالها سياسيا من قبل القائمين على إدارته لإثارة الرأي العام تحت ذريعة انتهاك حرية الرأي والتعبير، متناسين المخالفات الجسيمة المرتكبة والتي حدد القانون مسبقا العقوبات المترتبة عليها، ومن ضمنها الإعلان عن حل الحزب بموجب القانون.
* أستاذ القانون الدستوري – عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة