حمية التعليم
بقلم الدكتورة ميرفت سرحان
مجموعة من أمهات الطلبة “جروب” اجتمعن لاحتساء القهوة في منزل أم خالد .. وأثناء استقبالها لهن بدت أم محمد وقد خسرت الكثير من وزنها .. فسألتها إحدى الأمهات كيف تمكنت من ذلك في وقت قصير .. أجابت أم محمد أنها اتبعت نصحية أخصائية التغذية التي ذكرت لها أن عليها أن تشرب الكثير من الماء عندما تشعر بالجوع .. فالماء من جهة؛ يملأ المعدة ويشعر الشخص بالشبع .. ومن جهة أخرى؛ فإنه من السهل أن يتخلص الجسد من الماء حيث أنه لا يتراكم في الجسم على شكل دهون عصية يصعب التخلص منها إلا بنظام حمية قاس، أو باللجوء إلى إجراء جراحي ..
وانتقلت السيدات من حديث إلى آخر إلى أن وصلن لموضوع المدارس والتعليم .. فهذه أم كمال تقول: “هي المعلمة حاطة حطاط ابني، نفسي مرة تحطله علامة أكثر من سته من عشره” .. أم سامر: “والله قبل كم يوم بعتولي المدرسة قال ابنك بضرب الاولاد، فتحت صوتي في المدرسة وصيحت بوجه المديرة، ولا يمكن ابني يعمل هيك أنا بعرف كيف ربيته، ولا خليتهم يحكوا” .. أم رائد: “أنا قلت لإبني الأستاذ الي بطلع عليك بعين اطلع عليه بتنتين” .. أم جمال: “المعلمة بتقلي ابنك بظل قاعد لحاله، حكتلها لحاله مع غيره المهم يجيب علامات منيحة” .. أم سلمى (وهي معلمة في إحدى المدارس): “يا جماعة سجلت بنتي في المدرسة الي بشتغل فيها، إنه المعلمات يستحوا ويقولوا هي بنت زميلتنا خلينا نراعيها، عبث والله” .. واستمر حديث الأمهات لساعات ..
يبدو أن ما يحصل في نظام التعليم في الوقت الحالي لا يختلف أبدًا عن تلك الحمية التي قامت بها السيدة أم محمد .. فقد ملأت معدتها بالماء حتى تتخلص من الشعور بالجوع، ثم بعدما تجاوزت هذا الشعور فرغت المعدة من الماء بكل بساطة .. وهذا تمامًا ما يحصل في نظام التعليم لدينا فنحن نملأ أدمغة الطلبة بالمعلومات لحين الإمتحان، وبعد الإنتهاء من أداء الإمتحان تتفرغ الأدمغة من المعلومات .. وكما نسيت أخصائية التغذية أن تذكر لأم محمد بأن عليها أن تتبع نظاما غذائيًا متوازنًا؛ يحتوي على كافة العناصر التي يحتاجها الجسم “من بروتين وكربوهيدرات، وغيرها”، وأن عليها أن تمارس بعض التمارين الرياضية لحرق المزيد من السعرات الحرارية، والمحافظة على صحة الجسد .. كذلك فعل مقدمو الرعاية للأطفال “سواءً أولياء الأمور أو المعلمين”، اهتموا بالعلامة التي يحصل عليها الطالب أكثر من اهتمامهم بمدى فهمه للمعلومة .. كما اهتموا بنتيجة الطالب في الشهادة المدرسية لنهاية العام الدراسي أكثر من اهتمامهم بما امتلك الطالب من قدرات كالاستقلالية والإعتماد على الذات، ومهارات كفن البحث عن المعلومة، وما تعلم من آداب كآدب الحديث مع الآخرين وفن التعامل معهم، وأخلاق كالكرم والشجاعة، ولم يهتموا بما اكتسب من ثقافة تهذيب الذات بما تحمله من روحانيات كالإنتماء للدين، والوطن، واحترام النظام واتباع القوانين ..
فكما يحتاج الجسد لغذاء متوازن يحتوي كافة العناصر الغذائية، بالإضافة لحاجته للماء ..
فإن الطفل بحاجة لتربية متوازنة تهتم بالجانب الروحي والأخلاقي والإجتماعي والانفعالي، كما تركز على الجانب العلمي ..
وإلا كانت النتيجة أشبه بالماء الذي يدخل في المعدة ثم يخرج منها .. فلا المعلومة رسخت في أدمغة الطلبة، ولا تعلموا كيف يطورون أنفسهم، ولا كيف يديرون حياتهم، ولا كيف يتواصلون مع غيرهم ..
يقول الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه:
حَرِّض بنيكَ عَلى الآدابِ في الصِغَرِ
كَيما تَقَرَّ بِهِم عَيناكَ في الكِبَرِ
وَإِنَّما مَثَلُ الآدابِ تَجمَعُها
في عِنفُوانِ الصِبا كَالنَقشِ في الحَجَرِ
هِيَ الكُنوزُ الَّتي تَنمو ذَخائِرُها
وَلا يُخافَ عَلَيها حادِثَ الغِيَرِ
إِنَّ الأَديبَ إِذا زَلَّت بِهِ قَدَمٌ
يَهوي إِلى فَرُشِ الديباجِ وَالسُرُرِ
الناسُ إِثنانِ ذو عِلمٍ وَمُستَمِعٍ
واعٍ وَسائِرُهُم كَاللّغوِ وَالعَكَرِ





