صدى الشعب – كتب المحامي محمد عيد الزعبي
في جلسة انعقدت اليوم، الأربعاء الموافق 23 تموز 2025، صوّت الكنيست الإسرائيلي بالأغلبية على مشروع قرار رمزي يدعو الحكومة إلى فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية بما فيها غور الأردن. القرار، رغم رمزيته، يعكس التوجّه العقائدي العميق في أروقة الحكم الإسرائيلي نحو استكمال مشروع “إسرائيل الكبرى”، ولو على جرعات تُخفّف من ردود الفعل الدولية.
ليس قانونًا… بل إعلان نوايا ملوّث
القرار الذي جرى التصويت عليه اليوم ليس قانونًا مُلزِمًا، بل يأتي تحت بند “قرار على جدول الأعمال”، أي أنه لا يُحدث أي تغيير قانوني مباشر، ولا يمنح الحكومة أدوات تنفيذية جديدة. لكنه يُمثّل ما هو أخطر من ذلك: اختبارًا سياسيًا للشارع الإسرائيلي، ولمدى تماسك المجتمع الدولي تجاه قضم ما تبقّى من الأرض الفلسطينية.
من حيث الشكل، وافق 71 نائبًا مقابل اعتراض 13 فقط، ما يُظهر انحدارًا أخلاقيًا في المزاج البرلماني الإسرائيلي، حيث بات الضمّ يُسوّق كقضية توافقية لا خلافية، لا بل يُطرح في صيغ “رمزية” وكأنها بروفة تمهيدية لما سيأتي.
الضم الزاحف مستمر… والقانون مجرّد قناع
تُمارس إسرائيل منذ سنوات سياسة “الضم الزاحف”، وهي أخطر من الضم الرسمي. لأن ما يُمارَس على الأرض:
من مصادرة أراضٍ.
وتوسيع مستوطنات.
وتطبيق أنظمة إسرائيلية على المستوطنين دون السكان الأصليين.
كلها تؤدي عمليًا إلى فرض السيادة بالقوة لا بالقانون. فإسرائيل تعلم جيدًا أن إعلان الضم القانوني يُحرجها دوليًا، بينما الضم العملي يُمرّر في صمت، وتحت غطاء المصطلحات الأمنية والإدارية.
الأردن في قلب الخطر
قرار اليوم يطال غور الأردن، الشريط الحيوي الذي يشكل العمق الاستراتيجي للمملكة الأردنية الهاشمية. ومع أن التصويت لا يُنشئ آثارًا قانونية فورية، إلا أن مجرد طرح الفكرة في الكنيست يُعتبر صفعة سياسية تُوَجَّه إلى عمان، ورسالة اختبار لردّ الفعل العربي والدولي.
لقد سبق للأردن أن حذّر مرارًا من خطورة ضم الغور، معتبرًا إيّاه خطًا أحمر وجوديًّا، لكن حكومة الاحتلال تُراكم الوقائع على الأرض بثقة، مستفيدة من تراجع الموقف الدولي، ومن تطبيعٍ عربي يمنحها شرعية سلوكها الفوقي.
ماذا بعد هذا التصويت؟
سنشهد في المرحلة المقبلة تعزيزًا للواقع الاستيطاني في الغور ومحيط نابلس والخليل، بغضّ النظر عن صدور قانون ضم رسمي من عدمه.
القرار يُمهّد نفسيًا وقانونيًا للضم الشامل، حين تنضج اللحظة السياسية: سواء بعد الانتخابات الأمريكية المقبلة، أو في ظل تغيير الموقف الأوروبي المتراخي.
هناك حاجة ملحّة لتحرك أردني–فلسطيني–دولي ليس فقط عبر التصريحات، بل من خلال أدوات القانون الدولي، ورفع دعاوى واضحة أمام المحكمة الجنائية الدولية.
الكلمة الأخيرة:
في 23 تموز 2025، لم يضم الكنيست الضفة رسميًا، لكنه ضمّها سياسيًا وأخلاقيًا، حين تجاهل القوانين الدولية، وضرب بعرض الحائط إرادة شعب كامل يعيش تحت الاحتلال.
إنه ضم بالتقسيط… والدفعات تُسدد يومًا بعد يوم، بينما العالم يكتفي بإبداء “القلق العميق” ويُحيل كل شيء إلى المستقبل، كما لو أن الاحتلال ليس جريمة حاضرة بل احتمال مؤجّل.






