الدعجة : الاحتلال يستخدم التجويع كوسيلة لفرض التهجير القسري
شنيكات: الاحتلال يوظف الجوع كسلاح تفاوضي
صدى الشعب – سليمان أبو خرمة
وسط مشاهد باتت تتكرر في قطاع غزة، تتحول طوابير الانتظار أمام مراكز توزيع الإغاثة إلى ساحات خطر، حيث لم تعد المساعدات الإنسانية بمنأى عن الاستهداف، في ظل تصاعد الحصار وغياب ممرات آمنة لتوزيع الغذاء، يجد المدنيون أنفسهم عالقين بين نيران الحرب وسلاح التجويع.
وفي وقت تتحدث فيه منظمات دولية عن انهيار شبه كامل في منظومة الأمن الغذائي، الاحتلال الاسرائيلي اصبح يستخدم الجوع كأداة ضغط، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني.
وحذر خبراء سياسيون من تبني الاحتلال لسياسات ممنهجة تهدف إلى تجويع السكان وتهجيرهم قسرًا، معتبرين أن “هندسة الجوع” باتت أداة تفاوض وضغط سياسي، تُستخدم ضمن استراتيجية أوسع تسعى لإفراغ القطاع من سكانه وتدميره بالكامل، في خرق فاضح للقانون الدولي.
“هندسة الجوع”.. سلاح إبادة
وأكد أستاذ العلوم السياسية والدراسات الاستراتيجية، الدكتور حسن الدعجة، أن استهداف الاحتلال الإسرائيلي لمراكز توزيع المساعدات الإنسانية في هذا التوقيت يشكل تصعيدًا ممنهجًا، ويُعدّ جزءًا من سياسة أوسع تُعرف بـ”هندسة الجوع”، تهدف إلى تجريد سكان قطاع غزة من أدنى مقومات الحياة.
وأوضح الدعجة خلال حديثه لـ”صدى الشعب” أن هذه الاستراتيجية تهدف إلى إحداث انهيار إنساني واجتماعي يخدم الأجندة التفاوضية للاحتلال، مشيرًا إلى أن ما يجري ليس مجرد حادث عرضي، بل نهج دائم يُوظَّف فيه الحصار والجوع كأدوات ضغط لإرغام المقاومة الفلسطينية على تقديم تنازلات سياسية وأمنية.
وأضاف أن مفهوم “هندسة الجوع” يتجاوز كونه تكتيكًا مؤقتًا، حيث يتحول الغذاء إلى سلاح يُستخدم ضمن “حرب إبادة ناعمة” تستهدف البنية المجتمعية والمدنية للسكان.
وأوضح أن الاحتلال يربط دخول المساعدات الإنسانية بالمواقف السياسية أو بتهدئة الجبهات، مما يجعل الجوع أداة تفاوضية فعّالة من وجهة نظره.
وأشار إلى أن هذا المفهوم يكتسب أبعادًا أكثر خطورة عندما يُستخدم التجويع كوسيلة لفرض التهجير القسري، حيث يُدفع السكان نحو النزوح الجماعي في سبيل الحصول على الغذاء والماء والدواء، في محاولة لتفريغ المناطق المستهدفة تمهيدًا لإعادة تشكيلها ديموغرافيًا بما يخدم المشاريع الاستيطانية الإسرائيلية.
وشدد على أن هذه الممارسات، بموجب القانون الدولي الإنساني، تُصنَّف كجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، خاصة عندما يُستهدف المدنيون عمدًا وتُمنع عنهم الإغاثة، ورغم وضوح هذه الانتهاكات، إلا أن محاسبة الاحتلال إسرائيلي تظل مرهونة بالحسابات السياسية للدول الكبرى.
ودعى المؤسسات الدولية، وفي مقدمتها الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية، إلى التحرك الفاعل لوقف سياسة التجويع ومحاسبة المسؤولين عنها.
“التجويع” سلاح الاحتلال لإضعاف صمود غزة
من جهته قال رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية، الدكتور خالد شنيكات، بأن تصريحات وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش، ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، إلى جانب أطراف أخرى في الحكومة الإسرائيلية المتطرفة، تعكس تبني سياسة “التجويع” كجزء من استراتيجية الحرب ضد قطاع غزة.
وأوضح شنيكات خلال حديثه لـ”صدى الشعب” أن تلك السياسات، بحسب تصريحات المسؤولين الإسرائيليين، ليست فقط وسيلة ضغط، بل جزء من خطة أوسع تهدف إلى كسب الحرب عبر دفع سكان غزة والمقاومة إلى الاستسلام.
وأضاف أن هناك حلقات نقاشية داخل الاحتلال إلاسرائيلي لا تكتفي بالتفكير في استخدام الجوع كسلاح، بل تتعداها إلى طرح مقترحات بتهجير سكان القطاع ووضعهم في مناطق معزولة تُسمى ‘مناطق إنسانية’ تمهيدًا لنقلهم خارج غزة.
وتطرق شنيكات إلى تقرير نشره موقع “أكسيوس” الأمريكي يشير إلى وجود اتصالات بين الإدارة الأمريكية والاحتلال الإسرائيلي للضغط على دول مثل ليبيا والسودان والصومال لاستقبال فلسطينيين من غزة في ظل الحرب الجارية.
وأكد أن هذه الإجراءات تُعد، وفق القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، جرائم حرب تستهدف المدنيين الأبرياء، حيث ينص القانون بوضوح على ضرورة توفير الحماية الإنسانية للمدنيين.
وأشار إلى أن المؤسسات الدولية لم تلعب حتى الآن الدور الفعّال المنتظر منها، رغم تحرك كل من محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، التي واجهت عقوبات أمريكية استهدفت قضاة فيها بعد إصدارها مذكرات اعتقال بحق وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
وانتقد بعض الدول الغربية التي وقّعت على ميثاق روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية، مشيرًا إلى سماحها لطائرات نتنياهو بالمرور في أجوائها رغم مذكرات التوقيف، في خرق واضح لاتفاقيات روما.
وفيما يتعلق بالأوضاع الميدانية، أكد أن ما يجري من حصار ووقف لإيصال الغذاء إلى غزة لا يُستخدم كورقة تفاوض، بل يهدف إلى فرض حالة استسلام كاملة لا تشمل فقط فصائل المقاومة، بل تمتد إلى سكان القطاع بأسره.
واستشهد بتقارير أممية تصف حجم الدمار في القطاع بـ”غير المسبوق”، مشيرًا إلى أن التقارير الإسرائيلية نفسها تؤكد أن نحو 90% من مباني مدينة رفح قد دُمرت، إلى جانب مناطق أخرى مثل بيت حانون، والتي قالت إحدى الصحف العبرية إنها “مُحيت من على وجه الأرض”.
واعتبر أن هذا الدمار يعكس طبيعة الحرب “الدموية والبشعة” التي تُشن من قبل الاحتلال الاسرائيلي ضد قطاع غزة، في ظل فارق هائل في نوعية الأسلحة المستخدمة، حيث يستخدم جيش الاحتلال أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا العسكرية، في حين تستخدم المقاومة أسلحة خفيفة وقنابل محدودة تعود إلى الموجة الأولى من اختراع السلاح.
وقال إن كل ما يجري من ضغط عسكري وإنساني لا يهدف إلى تحقيق تفاوض، بل إلى فرض استسلام تام ومنع القطاع من تشكيل أي تهديد مستقبلي على إسرائيل، معتبرًا أن بعض السياسيين الإسرائيليين المتطرفين يسعون إلى الترحيل الجماعي للفلسطينيين، خوفًا من تكرار ما جرى في 7 أكتوبر،.






