عقبات الإصلاح الاقتصادي

بعد أزمة الاقتصاد الوطني لجأت الحكومات إلى صندوق النقد الدولي لاستعادة الحضور والحصول على دعم خارجي من أجل إعادة جدولة ديونه، والتمكن من النهوض من جديد بالنمو الاقتصادي الذي اصبح بالسالب، ناهيك عن مديونية تناهز الـ120 % من الناتج المحلي الإجمالي، وفعلاً بدأت عمليات الإصلاح المالي التي كانت حتى أواخر التسعينيات برامج إصلاحية مالية بحتة، وحققت نجاحات مالية نسبية مقابل إخفاق واضح على الصعيد الاجتماعي.

لكن الإخفاق المالي حدث مرة أخرى بعد ان تخرج الأردن من مظلة برامج التصحيح في العام 2004، وعاد الإنفاق العام في الموازنة إلى الارتفاعات التدريجية غير المحسوبة في ظل نمو ضعيف الإيرادات المحلية، ليجد الاقتصاد الوطني نفسه في ورطة كبيرة مع نهاية العام 2012، ليعود من جديد إلى برامج التصحيح مع الصندوق.
لكن هذه المرة الإصلاح يختلف عن السابق كثيرا بعد ان أنجزنا برنامج التخاصية بإيجابياته وسلبياته، وبعد وصول العبء الضريبي إلى مستويات كبيرة بشكل استنزف دخول الأسر الأردنية (26.3 %)، لذلك بات الدعم الدولي والمساعدات باتخاذ الحكومات لقرارات داخلية صعبة تمثل في إلغاء كافة أشكال دعم المحروقات باستثناء الغاز، وتعديل أسعار التعرفة الكهربائية التي تعتبر من اعلى دول المنطقة حاليا، لكن مع كُل ذلك تستمر النفقات العامة بالارتفاع مع تراجع نسبي في الإيرادات، مما يعني نمو العجز وبالتالي المديونية، وهذا ما يحدث منذ سنين.
السبب في ذلك ان العملية الإصلاحية الاقتصادية التي تتم في المملكة تخضع لمزاجية الحكومات اكثر من ان تكون برامج عمل مؤسسي حتى ولو كان الأمر متعلقا ببرنامج التصحيح مع الصندوق، فالحكومات التي ألغت الدعم عن المحروقات هي نفسها الحكومات التي أنفقت أموال الدعم على اتجاهات ومخصصات إنفاقية لا تغني ولا تسمن من جوع.
فأي إصلاحات مالية توفرها بعض القرارات كانت تذهب زيادات وعلاوات ورواتب وتعيينات في القطاع العام دون وجود أي مبرر مالي أو اقتصادي، والمبرر الوحيد هو الانسحابات لضغوطات شعبية بمزيد من الإنفاق الذي هو في النهاية تراجع اقتصادي خطير ستدفع ثمنه الأجيال.
الحكومات هي الجهات التي قاومت عملية استمرار الإصلاح الاقتصادي بتنوعها لمطالب غير منطقية، وتخوفها من اضطرابات الأوضاع الأمنية، وملاحقتها للإشاعات على صفحات التواصل الاجتماعي، مما جعلها أسيرة لتطورات حركات ومطالب الشارع التي لن ولم تنته أبداً، فهي في تزايد يوما بعد يوم.
الخضوع الحكومي والذي تُرجم بترحيل المشاكل المالية لفترات قادمة جعل كل حكومة تأتي وتنسف ما قامت به الحكومة السابقة، فلا ثقة بين الفريقين، ولا مؤسسية في إدارة الشأن الاقتصادي التي بقيت خاضعة لمزاجية المسؤول والحكومة، فالثقة ليست فقط معدومة بين المواطنين والحكومة، بل بين الحكومات المتعاقبة أيضاً مفقودة، بل معدومة في الإصلاح الاقتصادي.
أكبر عقبة في الإصلاح الاقتصادي هي عدم وجود مؤسسية في العمل، وغياب التقييم والمحاسبة، وعدم وجود معايير للأداء العام، وهذا أتفهمه جيداً، لأن المسؤول لا يأتي ببرنامج عمل، فغالبيتهم يأتون للعمل الرسمي إما بالاختيارات الضيقة التي تستند على معايير إقليمية مناطقية وعشائرية أو صداقات أو معارف لا اكثر، فلا يوجد برنامج عمل أو خطة يتبناها المسؤول حين استلامه المنصب، لذلك لا يحق لأي مسؤول في الدولة ان ينتقد خروجه من الوزارة أو الخدمة العامة، فكما دخلها دون معرفة، فخروجه هو أيضاً دون سبب أيضاً.
عقبات الإصلاح الاقتصادي هي غياب التفاهمات داخل الجسم الحكومي حول هدف معين، فالكل ينظر لوزارته بأنها هي الأهم وهي الأكثر تأثيراً في المشهد، في ظل غياب التنسيق والتفاهمات بين الوزراء على مشروع اقتصادي محدد يعزز الأثر على المشهد التنموي في البلاد، فهل نرى بعد عمليات الإصلاح السياسي أداء اقتصادياً رسمياً مؤسسياً يتابع التنفيذ وفق خطة عمل تكون عابرة للحكومات؟

Related Posts

Next Post

Welcome Back!

Login to your account below

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

x  Powerful Protection for WordPress, from Shield Security
This Site Is Protected By
Shield Security