خطر الاستسلام للأزمة الراهنة

لا خيار أمام الحكومة سوى القبول بالعمل تحت الضغط الشديد لا بل تحت القصف. الجائحة تضرب بقوة، والقطاع الصحي يواجه ضغوطا غير مسبوقة، والحال هذا سيستمر لأسابيع قبل أن نتنفس الصعداء.
والأزمة الصحية ليست بلا أكلاف، هناك مأزق اقتصادي اجتماعي يتعاظم، والدولة بكل مؤسساتها تعمل جاهدة للتخفيف من تداعياته. لكن، مثلما قال الملك فإننا سنعبر هذه الأزمة كما عبرنا من قبل أزمات كبرى.
الأزمة الاقتصادية وتآكل النموذج السياسي الأردني يستدعيان عملا استثنائيا لتدبر الموقف وتأمين المستقبل.لا يمكن أن نبقى أسرى اللحظة الراهنة، وندور حول أنفسنا، ونغرق بالتفاصيل الثانوية، بينما المطلوب هو العمل على الجبهات الرئيسية.
هناك مشاكل راهنة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، تتطلب مداخلات جراحية عاجلة لا تنتظر التأخير، وثمة عناوين جوهرية تستدعي قرارات سريعة كي نضع الأمور على سكتها الصحيحة. حتى اليوم ليس لدينا خطة اقتصادية للتعامل مع الأزمة الحالية، ولم ننجز بعد مسودة لتشجيع الاستثمار، لا بل إن الهيئة المعنية بالقطاع بلا رئيس حتى اليوم.
ومن بين المسائل التي يشار إليها كدليل على التباطؤ في العمل عدم تعيين وزيري العمل والصحة، في وقت تغرق فيه البلاد بأزمة كورونا، وتعاني من ارتفاع غير مسبوق في معدلات البطالة.
مظاهر الأزمة السياسية تتبدى على أكثر من صعيد، الانتخابات النيابية الأخيرة فاقمت من تشوهات المشهد السياسي، ولم تسعفنا أبدا في تطوير أدوات العمل السياسي والبرلماني، مثلما أنها لم تساعد في سد ولو جزء بسيط من أزمة الثقة المتدحرجة بالمؤسسات.
استشعر الملك عبدالله الثاني الموقف مبكرا، وأطلق العنان للحكومة لتبدأ العمل على تطوير منظومة تشريعات العمل السياسي. لغاية الآن لم نشهد تحركا ملموسا على هذا الصعيد، وما نزال نراوح في نفس المكان، ونشتري الوقت.
ينبغي الإدراك هنا أن ليس لدينا الكثير من الوقت لنضيعه، ولا بد من الاستعداد لكل الاحتمالات الطارئة حتى تلك المتصلة بفكرة إجراء انتخابات نيابية مبكرة وفق قانون جديد.
البيئة السياسية الداخلية تشهد تحولات مهمة تشبه في سماتها العامة تلك التي سادت إبان سنوات الربيع العربي الأولى. هذه التحولات لا يمكن تجاهلها أو انكارها. نحتاج لخطاب سياسي جديد، وتحركات ميدانية عاجلة، واشتباك مع مختلف التلاوين السياسية والاجتماعية، وإقرار جدي وعميق بالحاجة لإصلاحات جوهرية دون المساس بالثوابت الدستورية الأصيلة.
ينبغي أن نحافظ على يقظتنا الأمنية، لأن هناك قوى داخلية وخارجية تتربص بالأردن ولديها حساباتها الخاصة، لكن المهمة لا تكتمل بدون تطوير برنامج اقتصادي اجتماعي سياسي متكامل لمواجهة التحديات.
ثمة خفة مؤذية في إدارة بعض مشاكلنا، وجهل عميق بالواقع السياسي من قبل أوساط في صناعة القرار لا تعرف شيئا عن الأردن وسردياته وعناصر قوته أو ضعفه.
الاستسلام للأزمة الراهنة يغري التيارات العدمية لمواصلة الضغط لدفعنا نحو الفوضى والانقسام الداخلي. يتعين علينا أن نصحو سريعا ونبدأ العمل قبل فوات الأوان.

أخبار أخرى