غادر ترامب بعجره وبجره وما كاد أن يفعلها. ظل متمسكا لآخر اللحظات بموقفه الرافض للانتخابات ونتائجها ونزاهتها. لم يحضر حفل التنصيب للرئيس
الجديد في خروج مخجل على تقاليد السياسة الأميركية. لم يستقبل الرئيس الجديد بالبيت الأبيض كما جرت العادة ولم يعطه أي إحاطات سياسية أو أمنية قد تكون ضرورية.
على مدى أربع سنوات، أحدث ترامب شرخا تقسيميا سياسيا عميقا في المجتمع الأميركي، أذكى التطرف السياسي والعرقي وبات الرمز الذي يلتف حوله اليمين المتشدد الذي يخالف قيم المجتمع من تعددية وتنوع يعتبرها كثيرون أهم ميزات وعناصر قوة المجتمع الأميركي.
مغادرة ترامب لا تعني أنه انتهى سياسيا. التوقعات أنه إما سيترشح للرئاسة في العام 2024 أو سيشكل حزبا جديدا، لكن حتى إن لم يحدث أي من ذلك، يبقى ترامب مؤثرا ومسيطرا على قواعد اليمين المتشدد التي تعد ضرورية في أي انتخابات تمهيدية أو حزبية داخلية.
مرشحو الحزب الجمهوري سيكونون بحاجة لدعم تيار ترامب في أي انتخابات داخل الحزب، وهذا يعطي ترامب قوة سياسية كبيرة ستجعل كثيرين يلتفون حوله.
غير واضح للآن إن كان الحزب الجمهوري سيتمكن من لفظ الظاهرة الترامبية على غرار ما فعل مع ظاهرة حزب الشاي داخل أروقة الحزب، وغير واضح الى أي مدى سيتمكن الحزب الجمهوري من تطوير والمواءمة بين مبادئه وأفكاره ومبادئ المجتمع الأميركي ككل، ما هو واضح للآن أن عملية الإصلاح والتطوير الإيديولوجي للحزب الجمهوري لجهة إعادة التوازن لن تكون شأنا يسيرا وستكون معركة سياسية أكثر منها فكرية أو إيديولوجية.
بعد الضرر الكبير الذي أحدثه ترامب، يأتي بايدن ببعض القرارات التصحيحية السريعة مثل وقف بناء الجدار مع المكسيك، والعودة لعضوية منظمة الصحة العالمية، وإعادة السماح بدخول أميركا لمواطني بعض دول الغالبية المسلمة، وعودة الانضمام لاتفاقات ومفاوضات الحماية البيئية العالمية.
كل هذه قرارات ضرورية، لكن مهمة بايدن الأكبر والأهم تكمن في إعادة اللحمة والتوازن للمجتمع الأميركي، والسيطرة على الانقسام السياسي الحاد الموجود هناك، والبدء بالتعامل مع ظاهرة تفوق العرق الأبيض التي أذكاها ترامب وأحدثت فوضى مست قيم المجتمع وتعدديته وسلمه.
يدرك بايدن عظم التحدي وخطورته، ويعلم أن أميركا ما قبل 6 يناير تختلف عن تلك التي بعده، ويفهم أن تحدي التطرف العرقي الداخلي هو الأهم، والأولوية القصوى له وللنخب وصناع القرار كافة في أميركا. هذا هو الخطر الحقيقي الذي على قادة المجتمع التعامل معه لأن فلتانه يشكل الخطر الأكبر على المؤسسية والديمقراطية الأميركية.
على حد تعبير بايدن، نجحت الديمقراطية الأميركية في “الاختبار” الذي تعرضت له من عنف واقتحامات، وهذا صحيح، فقد صمد القضاء المستقل والإعلام ومؤسسات المدنية الأميركية أمام التطرف، بيد أن التحدي الحقيقي الذي أنتج ذلك التحدي ما يزال موجودا وفاعلا ينمو يوميا، والنجاح الحقيقي أن يتم استئصال أو عزل العرقية المتطرفة التي تجتاح أجزاء كبيرة من الولايات المتحدة وتهدد ديمقراطيتها.