تتكرر على صفحات التواصل الاجتماعيّ الحملات المطالبة بتأجيل اقساط البنوك على المواطنين والشركات دون استثناء، والأصوات ارتفعت مؤخرا من قبل بعضهم حتى وصلت لعدد من المسؤولين والوزراء الذين طالبوا بتأجيل الاقساط البنكيّة، وكأنهم يعملون في حكومة أخرى غير الحكومة التي هم أعضاء فيها، مما يدلّ على غياب التنسيق والتفاهم بينهم.
البنك المركزيّ طلب في شهر آذار الماضي من البنوك تأجيل أقساط جميع المكلفين من أفراد وشركات لمدة ثلاثة أشهر، ورتّب على هذا القرار تأجيل دفعات وأقساط بقيمة تبلغ ما يقارب 1.4 مليار دينار، حيث كان من المفروض ان تتسلمها البنوك لإعادة إقراضها من جديد وضخها في الاسواق.
في اعتقادي الشخصي ان هذا القرار كان غير ضروري بهذه الشموليّة، وكان الأجدى ان يقتصر على المتعثرين فقط جراء جائحة كورونا، وهو ما أدركه البنك المركزيّ في التعميم الذي أصدره يطلب فيه من البنوك تأجيل الاقساط حتى نهاية العام للقطاعات والمكلّفين المتضررين من كورونا فقط، إضافة لتعميمه الخاص بتأجيل اقساط المقترضين الجدد من النافذة التمويليّة التي تم تخصيصها لإنقاذ الشركات الصغيرة والمتوسطة من تداعيات الوباء.
اليوم تأتي الاصوات مرّة أخرى تطالب بالتأجيل للاقساط مرّة أخرى دون فرز حقيقي للجهات التي تستحق التأجيل، علماً ان التأجيل للقسط لا يلغي الفائدة التي ستترحل لفترات لاحقة.
المطالبات بالتأجيل وتصوير البنوك بأنها مؤسسات ضاغطة على الاقتصاد والأمن المعيشيّ للافراد فيه تجن واضح على الجهاز المصرفي الذي هو اليوم يقوم بدور مسؤول وقوي في حماية الاقتصاد الوطنيّ وتحقيق استقراره في أصعب الأوقات، والمطالبات بالتأجيل هي اذى اقتصاديّ موجّه لهذه المؤسسات الوطنيّة التي أموالها هي للأردنيين والمستثمرين.
نعم هناك قطاعات وافراد تضرروا جراء كورونا، وانخفضت إيراداتهم ودخولهم بحيث باتوا غير قادرين على الوفاء بالتزاماتهم بالشكل السابق، وهؤلاء شملهم قرار المركزيّ بتأجيل اقساطهم بل وحتى إعادة جدولة قروضهم وتسهيلاتهم حتى نهاية العام، لكن لن يطال التأجيل الجميع، فهذا أمر فيه تجن كبير واعتداء على الجهاز المصرفيّ وتعريض ملاءته الماليّة للخطر تحت شعبويات لا تغني ولا تسمن من جوع.
غالبية المقترضين الافراد هم عاملون في القطاع العام، وهؤلاء جميعاً لم تتأثر دخولهم نهائياً جراء كورونا، بالعكس حصلوا على كامل رواتبهم وهم جالسون في بيوتهم لمدة ثلاثة أشهر تقريباً دون عمل، فلماذا يتم تأجيل اقساطهم؟
حتى العاملون في القطاع الخاص، الغالبية منهم حافظوا على أعمالهم ودخولهم، ولا يوجد ما يستدعي شمولهم بمطالبات التأجيل للاقساط.
هناك من يحاول ان يجعل من كورونا فرصة له لكي يتسلل للجهاز المصرفيّ ويحصل على تسهيلات وتأجيل لاقساطه وقروضه لأنظمته المتعثرة قبل كورونا، ويحاول استغلال المشهد لتوظيفه لصالحه والاستفادة من خلال الضغوط على الجهاز المصرفي وتشويه صورة البنوك.
القطاع المصرفيّ هو المحور الاول في قوة اقتصاد الاردن ويحمل في جعبته الكثير وله ان ننصفه.
الاردن بهِ 25 بنكاً عاملاً إضافة إلى العديد من الشركات الماليّة التمويليّة بشتى أنواعها، ويمثل حجم موجودات البنوك البالغ 55 مليار دينار تقريباً 177 ٪ من الناتج المحليّ الإجماليّ، وحجم ودائع البنوك فاقت 36 مليار دينار وقيمة القروض الممنوحة للقطاعات الاقتصاديّة المختلفة من مؤسسات وأفراد 29 مليار دينار، وهذه مستثمرة في الاقتصاد الأردنيّ ويحمل القطاع المصرفي مسؤولية مجتمعية كبيرة، حيث ان فروعه المنتشرة في الاردن تفوق 700 فرع وتقريبا 40 ٪ منها في المحافظات وتشغّل عمالة أردنية بالكامل وموزعة في كُلّ مناطق المملكة، وتشغّل في فروعها أبناء المنطقة فهي مساهم فاعل في التنمية والتشغيل، إضافة الى مساهمتها الأساسية في إيرادات الخزينة وتعد المصدر الأكبر لها.