صدى الشعب – كتب: د. عَايِشُ النَّوَايِسَةُ خَبِيرٌ وَمُسْتَشَارٌ تَرْبَوِيٌّ
شَهِدَ التَّعْلِيمُ الْمِهَنِيُّ فِي الْأُرْدُنِّ تَحَوُّلًا جَذْرِيًّا، إِذْ انْتَقَلَ مِنْ النِّظَامِ التَّقْلِيدِيِّ الَّذِي كَانَ يَقْتَصِرُ عَلَى سَنَتَيْنِ وَأَرْبَعِ تَخَصُّصَاتٍ وَيَسْتَهْدِفُ الذُّكُورَ بِشَكْلٍ أَكْبَرَ، إِلَى نِظَامٍ حَدِيثٍ يَعْتَمِدُ عَلَى مُؤَهِّلَاتٍ عِلْمِيَّةٍ مُعْتَمَدَةٍ دَوْلِيًّا فِي أَكْثَرَ مِنْ 70 دَوْلَةً حَوْلَ الْعَالَمِ، وَيَدْرُسُهَا نَحْوُ مِلْيُونِ طَالِبٍ عَالَمِيًّا.
وَفِي هَذَا السِّيَاقِ، أَطْلَقَتْ وَزَارَةُ التَّرْبِيَةِ وَالتَّعْلِيمِ مَشْرُوعًا نَوْعِيًّا بِعُنْوَانِ “BTEC” لِتَنْوِيعِ مَسَارَاتِ التَّعْلِيمِ بَيْنَ الْأَكَادِيمِيِّ وَالْمِهَنِيِّ، مَعَ التَّرْكِيزِ بِشَكْلٍ كَبِيرٍ عَلَى الْجَانِبِ التَّطْبِيقِيِّ وَدَوْرِهِ الْمُسْتَقْبَلِيِّ فِي سُوقِ الْعَمَلِ. وَقَدْ بَدَأَتِ الْوَزَارَةُ تَنْفِيذَ الْمَرْحَلَةِ الْأُولَى مِنْ الْمَشْرُوعِ فِي الْعَامِ الدِّرَاسِيِّ 2023/2024 بِسِتَّةِ مَجَالَاتٍ، هِيَ: الْهَنْدَسَةُ، الزِّرَاعَةُ، التَّجْمِيلُ، الضِّيَافَةُ وَالْفَنْدَقَةُ، الْأَعْمَالُ، وَتِكْنُولُوجِيَا الْمَعْلُومَاتِ، ثُمَّ أُضِيفَتْ أَرْبَعَةُ تَخَصُّصَاتٍ جَدِيدَةٍ لِلْمُسْتَوَى الثَّانِي فِي الْعَامِ الدِّرَاسِيِّ 2024/2025، وَهِيَ: الْبِنَاءُ وَالْمُنْشَآتُ، السِّيَاحَةُ وَالسَّفَرُ، الْوَسَائِطُ الْإِبْدَاعِيَّةُ، الْفُنُونُ وَالتَّصْمِيمُ.
كَمَا جَرَى تَوْزِيعُ التَّخَصُّصَاتِ عَلَى مَعَاهِدَ وَمَرَاكِزِ التَّدْرِيبِ الْمِهَنِيِّ، حَيْثُ تَمَّ اعْتِمَادُ 21 مَعْهَدًا تَدْرِيبِيًّا مُوَزَّعًا عَلَى 18 مُدِيرِيَّةَ تَرْبِيَةٍ وَتَعْلِيمٍ، وَرَبْطُهَا بِـمَدَارِسَ مِهْنِيَّةٍ مُتَخَصِّصَةٍ. وَتَعْمَلُ الْوَزَارَةُ حَالِيًّا عَلَى إِدْرَاجِ تَخَصُّصَيْنِ إِضَافِيَّيْنِ هُمَا: الرِّعَايَةُ الصِّحِّيَّةُ وَالاجْتِمَاعِيَّةُ وَالرِّيَاضَةُ.
يَتَمَيَّزُ نِظَامُ “BTEC” بِـتَعْزِيزِ مَهَارَاتِ التَّعَلُّمِ الذَّاتِيِّ وَتَحْسِينِ الْكِفَايَاتِ الْمَطْلُوبَةِ لِـسُوقِ الْعَمَلِ، إِضَافَةً إِلَى تَعْزِيزِ التَّعَلُّمِ الْقَائِمِ عَلَى الْكِفَايَاتِ وَتَوْفِيرِ فُرَصِ تَطْبِيقٍ عَمَلِيٍّ أَكْبَرَ. وَيَعْتَمِدُ النِّظَامُ عَلَى التَّقْيِيمِ مِنْ خِلَالِ الْإِنْجَازَاتِ وَالْمَهَامِّ، مِمَّا يُعِدُّ الطَّلَبَةَ لِـمِهَنِ الْمُسْتَقْبَلِ وَيُسَاعِدُهُمْ فِي تَطْوِيرِ مَهَارَاتِهِمُ الْعَمَلِيَّةِ وَالْعِلْمِيَّةِ وَالشَّخْصِيَّةِ بِمَا يُوَافِقُ مُتَطَلَّبَاتِ السُّوقِ.
وَيَمْتَازُ أَيْضًا بِـدَمْجِهِ بَيْنَ الْجَانِبَيْنِ النَّظَرِيِّ وَالْعَمَلِيِّ، مَعَ تَرْكِيزٍ أَكْبَرَ عَلَى التَّطْبِيقَاتِ الْعَمَلِيَّةِ فِي تَقْيِيمِ أَدَاءِ الطَّلَبَةِ، وَيَمْنَحُ خِرِّيجِيهِ شَهَادَةً تُؤَهِّلُهُمْ لِـدُخُولِ سُوقِ الْعَمَلِ أَوْ مُتَابَعَةِ دِرَاسَتِهِمُ الْجَامِعِيَّةِ. كَمَا يُخَفِّفُ النِّظَامُ مِنْ الضُّغُوطِ النَّفْسِيَّةِ الْمُرْتَبِطَةِ بِـاخْتِبَارِ الثَّانَوِيَّةِ الْعَامَّةِ، إِذْ يُخَصَّصُ 70% مِنْ الْمُعَدَّلِ لِـتَقْيِيمَاتِ الْبَرْنَامَجِ الْعَمَلِيِّ التَّطْبِيقِيِّ فِي الصَّفَّيْنِ الْحَادِيَ عَشَرَ وَالثَّانِيَ عَشَرَ، بَعِيدًا عَنْ الِاخْتِبَارَاتِ التَّقْلِيدِيَّةِ.
وَلِـتَنْفِيذِ هَذَا النَّوْعِ مِنْ التَّعْلِيمِ، عَمِلَتْ الْوَزَارَةُ عَلَى تَطْوِيرِ بِيئَةِ تَعَلُّمٍ مُتَخَصِّصَةٍ، فَـتَمَّ تَطْوِيرُ وَحَدَاتٍ دِرَاسِيَّةٍ مُتَوَائِمَةٍ مَعَ الْبِيئَةِ الْمَحَلِّيَّةِ، وَاخْتِيَارُ وَحَدَاتٍ مُتَرْجَمَةٍ مِنْ الْمُؤَهِّلَاتِ الدَّوْلِيَّةِ إِلَى اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ، كَمَا أُعِدَّتْ أَدِلَّةٌ إِرْشَادِيَّةٌ لِلْمُعَلِّمِينَ وَكُتُبٌ مَدْرَسِيَّةٌ لِلطَّلَبَةِ ضِمْنَ إِطَارِ دَعْمٍ مُتَكَامِلٍ.
كَمَا يَتَطَلَّبُ نَجَاحُ هَذَا التَّوَجُّهِ التَّوَسُّعَ فِي التَّعْلِيمِ الْمِهَنِيِّ التَّطْبِيقِيِّ عَبْرَ إِضَافَةِ تَخَصُّصَاتٍ جَدِيدَةٍ يَحْتَاجُهَا سُوقُ الْعَمَلِ مِثْلَ: الطَّاقَةِ الْمُتَجَدِّدَةِ، الْأَمْنِ السَّيْبِرَانِيِّ، الذَّكَاءِ الِاصْطِنَاعِيِّ، عِلْمِ الْبَيَانَاتِ الضَّخْمَةِ، الصِّنَاعَاتِ الْغِذَائِيَّةِ، النُّظُمِ الزِّرَاعِيَّةِ الْحَدِيثَةِ، الصِّيَانَةِ الصِّنَاعِيَّةِ، وَصِيَانَةِ شَبَكَاتِ الْمِيَاهِ. فَهَذِهِ التَّخَصُّصَاتُ مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تُعَزِّزَ مُوَاءَمَةَ التَّعْلِيمِ مَعَ مُتَطَلَّبَاتِ السُّوقِ، وَتَزِيدَ فُرَصَ الْعَمَلِ، وَتَدْعَمَ النُّمُوَّ الِاقْتِصَادِيَّ وَالِابْتِكَارَ، بِمَا يَنْعَكِسُ إِيجَابِيًّا عَلَى جَوْدَةِ مُخْرَجَاتِ التَّعْلِيمِ.
كَمَا يَسْتَلْزِمُ الْأَمْرُ تَوْسِيعَ نِطَاقِ الشَّرَاكَةِ مَعَ الْقِطَاعِ الْخَاصِّ لِـإِثْرَاءِ خِبْرَاتِ الطَّلَبَةِ فِي الْمَجَالَاتِ الْمِهَنِيَّةِ مِنْ خِلَالِ التَّطْبِيقِ الْعَمَلِيِّ دَاخِلَ مَشَاغِلَ مُجَهَّزَةٍ وَمُؤَسَّسَاتٍ إِنْتَاجِيَّةٍ، بِمَا يُعَزِّزُ اكْتِسَابَ الْمَهَارَاتِ الْمِهَنِيَّةِ وَيُسْهِمُ فِي تَوْفِيرِ فُرَصِ عَمَلٍ جَدِيدَةٍ لِلشَّبَابِ، وَيُشَجِّعُ الْقِطَاعَ الْخَاصَّ عَلَى الِاسْتِثْمَارِ فِي الطَّاقَاتِ الْأُرْدُنِّيَّةِ الْمُؤَهَّلَةِ.
وَفِي جَانِبِ التَّعْلِيمِ التَّقْنِيِّ، فَرَضَتْ التَّطَوُّرَاتُ الْمُتَسَارِعَةُ فِي مَجَالَي التَّعَلُّمِ وَالتَّعْلِيمِ تَحَوُّلًا عَمِيقًا عَلَى الْأَنْظِمَةِ التَّعْلِيمِيَّةِ كَافَّةً، إِذْ بَاتَ الِانْتِقَالُ مِنْ الْأَسَالِيبِ التَّقْلِيدِيَّةِ إِلَى أَنْمَاطِ تَعْلِيمٍ نَشِطَةٍ تَتَمَحْوَرُ حَوْلَ الْمُتَعَلِّمِ ضَرُورَةً مُلِحَّةً. فَالطُّرُقُ التَّقْلِيدِيَّةُ لَمْ تَعُدْ قَادِرَةً عَلَى تَلْبِيَةِ احْتِيَاجَاتِ الْمُتَعَلِّمِينَ الْمُتَنَوِّعَةِ أَوْ مُوَاكَبَةِ مُتَطَلَّبَاتِ سُوقِ الْعَمَلِ، مِمَّا أَوْجَدَ فَجْوَةً وَاضِحَةً بَيْنَ الْمُخْرَجَاتِ وَالِاحْتِيَاجَاتِ الْفِعْلِيَّةِ.
وَلِـذَلِكَ أَصْبَحَتْ الْمُرُونَةُ وَالتَّكَيُّفُ ضَرُورَةً لِـمُؤَسَّسَاتِ التَّعْلِيمِ، مِنْ خِلَالِ التَّرْكِيزِ عَلَى الْمَهَارَاتِ التَّقْنِيَّةِ وَالرَّقْمِيَّةِ وَتَبَنِّي التَّعْلِيمِ الذَّكِيِّ الَّذِي يُحَقِّقُ الْمُوَاءَمَةَ بَيْنَ التَّعْلِيمِ وَسُوقِ الْعَمَلِ. فَالتَّعْلِيمُ الذَّكِيُّ، الْمَدْعُومُ بِـالْأَنْظِمَةِ الرَّقْمِيَّةِ وَالذَّكَاءِ الِاصْطِنَاعِيِّ، يُتِيحُ تَجْرِبَةَ تَعَلُّمٍ تُرَاعِي الْفُرُوقَ الْفَرْدِيَّةَ بَيْنَ الطَّلَبَةِ، إِذْ يُحَلِّلُ النِّظَامُ أَدَاءَ الطَّالِبِ وَيُحَدِّدُ نِقَاطَ قُوَّتِهِ وَضَعْفِهِ وَيُقَدِّمُ لَهُ مُحْتَوًى مُخَصَّصًا يُعَالِجُ احْتِيَاجَاتِهِ. كَمَا يَجْعَلُ التَّعَلُّمَ أَكْثَرَ مُتْعَةً وَتَحْفِيزًا بِـاسْتِخْدَامِ الْأَلْعَابِ التَّعْلِيمِيَّةِ وَالْوَسَائِلِ التَّفَاعُلِيَّةِ، مِمَّا يُعَزِّزُ دَافِعِيَّةَ الطَّلَبَةِ نَحْوَ التَّعَلُّمِ وَيَزِيدُ مِنْ جَوْدَةِ الْمُخْرَجَاتِ التَّعْلِيمِيَّةِ.






