السؤال الذي خطر على بالي بعد ان أنجزت أجهزة الامن مهمتها في القبض على عدد كبير من « البلطجية « وأصحاب السوابق المدرجين في قائمة « الخاوات « و « الاتاوات « هو : وماذا بعد ..؟
لدي خمس ملاحظات قد تساهم في الإجابة على السؤال، الأولى ان هؤلاء الذين « استفزونا « بعد حادثة الفتى صالح كانوا يسرحون ويمرحون في شوارعنا منذ سنوات طويلة، وكنا نعرفهم بالاسم والعنوان، لكننا للأسف لم نفعل ما يجب ان نفعله الا بعد ما « ضج « الرأي العام تحت وقع الصدمة للمطالبة بملاحقتهم والقاء القبض عليهم .
الملاحظة الثانية هي ان هؤلاء « البلطجية « الذين نصنفهم في خانة «الاجرام» لم يسقطوا علينا «بالبرشوت» من الفضاء، فهم – وان تبرأنا من افعالهم – أبناء هذا المجتمع، وافراز من افرازاته، صحيح انهم خرجوا عليه وتمردوا على القانون والنظام العام الذي يشكل « القاسم « والضامن لأمننا واستقرارنا، لكن بعضهم قد يكون ضحايا لظروف وأوضاع أخرجت منهم اسوأ ما فيهم، وبالتالي فنحن – كمجتمع – نتشارك معهم في جزء من المسؤولية، ومن يضمن لو اجهزنا عليهم وتخلصنا منهم ان لا يخرج علينا غيرهم من الطبقة ذاتها، ما دام ان ظروف « انتاجهم « لم تتغير ..
الملاحظة الثالثة هي ان مهمة مواجهة البلطجة في شقها الأمني أنجزت بكفاءة، لكن ماذا عن هذه المهمة في شقها التشريعي، حيث ما تزال القوانين السائدة قاصرة عن معاقبة هؤلاء بما يتناسب مع « جرائهم « ؟? ثم ماذا عن المهمة في شقها السياسي حيث أشار اكثر من خبير امني الى ان وراء هؤلاء « البلطجية « متنفذون يباشرون استخدامهم والاستفادة من خدماتهم لتحقيق مصالحهم.
اما الملاحظة الرابعة فهي ان مهنة « البلطجة « لا تقتصر على هؤلاء الذين يفرضون « الخاوة « على أصحاب المحلات التجارية، او الذين يعملون « كحراس « امام الملاهي او « الفاليت « او غيرهم من أصحاب السوابق والقيود الأمنية، مهنة البلطجة تتجاوز هؤلاء الى طبقات أخرى – ربما اخطر – تعمل في مجالات الاعلام والبزنس والسياسة، وهؤلاء في الغالب « مغطون « بالسولفان ويمارسون « بلطجتهم « بشكل اخطر، وضحاياهم يتوزعون على المجتمع بكل فئاته، والرعب الذي يتسببون به للمسؤول وللناس اكبر أيضا .
بقي لدي ملاحظة أخيرة وهي ان واجب الدولة بعد ان « انكشف « المستور على لسان الكثير من الشهود، ان تفتح ملف « البلطجة « لمعالجته امنيا وسياسيا وتشريعيا، وان تضع « الفاعلين « فيه، بكافة اصنافهم، امام موازين العدالة، وان تحرر مجتمعنا من هؤلاء الذين يمارسون دور التنفيذ ? وأولئك الذين يقومون باستئجارهم او تمويلهم او التغطية عليهم، وفي موازاة ذلك ان تذهب الى ملاذاتهم الآمنة لتدرس ظروف واحوال « مجتمع البلطجة « سواء اكانت هذه الملاذات في الأماكن السكنية او في مراكز الإصلاح التي يودعون فيها لمعاقبتهم لاحقا، فتجفيف المجتمعات من البلطجة يحتاج لما هو ابعد واعمق من ملاحقتهم، والقبض عليهم .